التعلم بالفن رافعة لتعزيز القدرات الإبداعية للطلبة،بقلم: محمد العكش
شهدالمنهاج الفلسطيني في السنوات العشر الأخيرة تطورا كبيرا من حيث مضمونه واستعانته بتجارب تعليمية ناجحة حول العالم كتجربتي سنغافورا وفنلندا، لكنّ من سوء حظ ذلك الإنجاز أنه يتزامن مع أوقات عصيبة تعيش فيها الأراضي الفلسطينية أزمات سياسية واقتصادية بفعل الاحتلال الإسرائيلي والانقسام الفلسطيني، جعلته يصطدم بالواقع البائس، فأصبح تطبيق المنهاج يواجه مشاكل وصعوبات كثيرة في تنفيذ متطلباته داخل المدارس.
ارتكز مضمون المنهاج الفلسطيني الحديث على تطوير القدرات العلمية للطالب، من خلال أوراق العمل وتعزيز روح البحث،لكنه أغفل في الوقت ذاته مواضيع حيوية يمكنها أن تشكل رافدًا معرفيًا كبيرًا باستبعاد تدريس الفنون واعتبارها مواد دراسية هامشية، على الرغم من إثباتها حضور مميز في تطوير وتعزيز القدرات الإبداعية للطالب ومن ثم رقي المجتمع بشكل عام.
لا تقل مواد التربية الفنية أهمية عن المواد التدريسية الأخرى في حياة الطالب، فلها خصائص تعمل على صقل وبناء شخصية الطفل- محور العملية التعليمية، وتغليف المنهاج الدراسي بإطار تعليمي مكتمل.
الشيء المؤكد بأن هناك مجالات عديدة لا يتم تعليمها أو إدراكها إلا عن طريق تعلم الفن، وذلك بسبب العمليات التي يمارسها الفرد في حياته قائمة بشكل أساسي على التعبير الفني، فتعمل على إعطائه الفرص لاكتشاف البيئة من حوله والتفاعل معها ومع أقرانه، وتطلق العنان لتنمية الإلهام والابتكار والعمليات العقلية عنده. وهذه الطرق تتميز بالتعلم عن طريق العمل واكتشاف الذات والتعلم بالاكتشاف والتعلم الذاتي.
إن طرق التعليم الحديثة وخاصة التي تعتمد على الرسم والموسيقى والمسرح والأنشطة اللامنهجية تتجه إلى الاهتمام بالبناء المعرفي والوجداني والاجتماعي والمهاري للطلبة تبعًا لقدرات كلٍ منهم، مع تقديم حلول لمشكلاتهم الحياتية الفنية والعملية، تلك التي تواكبها الاتجاهات الجديدة في طرق التدريس وأساليب التعلم والوسائل والوسائط التعليمية والخامات والأدوات والأنشطة.
ومن الملاحظ بأن الأنشطة الفنية تتقلص بشكل ملحوظ، ولا تجد الاهتمامات الكافية في المدارس والجامعات الفلسطينية، ولا تتناسب مع دعم الأنشطة الثقافية، وما من شك بأن هناك الكثير من المواهب بحاجة إلى الرعاية ومن الضرورة أن تنتبه المؤسسة التعليمية لها لما له من أثر على الأطفال والمراهقين بأن يتيح لهم التنفيس عن مشاعرهم والتعبير عما يجول في خواطرهم، خاصة أن الأطفال قد لا يستطيعون التعبير عن مشاكلهم بشكل صريح والتي من الممكن أن تظهر من خلال لوحة فنية أو مشهد على مسرح.
في حين تعتبر مرحلة المراهقة من أكثر المراحل التي يحتاج فيها الشباب إلى دعم مواهبهم لإخراج إبداعاتهم، لكن للأسف لا نجد اهتمامات كافية في المدارس والجامعات، وما يحدث هو تهميش لتدريس أنواع الفنون المختلفة داخل المدارس، حيث يتم اعتبار التربية الفنية وغيرها من الفنون والأنشطة الأخرى مواد ثانوية ومهملة في كثير من الأحيان. فكم من طالب لم يحالفه الحظ بالتفوق علميا، كانت لديه إبداعات ومدارك في مجالات أخرى استطاع النجاح بها بل وسجّلت بأحرف من نور في سجلات التاريخ، ولنا في علماء مشاهير قدوة حسنة!
وهنا من الخطأ الاعتقاد بأن الفنون تقتصر على الرسم فقط، بل هناك مجالات أخرى يحتاج الطفل لتعلمها منذ نعومة أظفاره كالتصوير والأعمال اليدوية والتصاميم المختلفة والموسيقى والمسرح والفنون الشعبية، إضافة للأشغال اليدوية التي بات الجيل الناشئ في غفلة كبيرة عنها. كل هذه الأشكال تساعد في اكتشاف مواهب الطلبة ومساعدتهم لاحقًا على الالتحاق بالكليات المتخصصة في الفنون المختلفة.
من أبرز المشكلات التي تواجه تعليم الفنون, عدم وجود معلمين متخصصين مؤهلين لتحفيز الطلبة وتنمية مواهبهم بالشكل المطلوب ، مما يحرم الطلبة من ممارسة هواياتهم وفق معايير علمية صحيحة تتناسب مع القدرات العمرية المختلفة، فالمدرس الناجح من يلاحظ الطالب الموهوب، وبالتالي ينمى هذا الجانب من خلال تشجيع الطالب ماديا ومعنويا، وإعداده وصقل موهبته، إلى أن تتبلور وتتطور نحو الإبداع.
ولأن الفن يلعب دورا مهما في بناء الشخصية الإنسانية والمتكاملة يتضح أنه من حق كل طالب في مختلف مراحل دراسته، أن تخصص له الحصص الكافية لهذه الفنون كي يطلق من خلالها العنان لطاقاته الإبداعية، وما نراه من رسومات الأطفال الصغار في بداية تجاربهم مع القلم واللون لهي أكبر دليل على أهمية هذه الفنون.
وختاماً, يمكن القول بأن المراحل التعليمية المختلفة من الضرورة بمكان أن تشمل جميع المجالات الأدبية والعلمية والفنية بحيث يبحر الطالب في أحدها عميقًا ويختار المسار الذي يفضله ويتفوق فيه, كما يمكن في هذا السياق عقد مسابقات بين المدارس لدعم مواهب الطلبة واهتمام المؤسسات بتقديم الورش الفنية، وعقد شراكات بين المؤسسات التعليمية، ووزارة التربية والتعليم لتحفيز الجميع لتقديم مواهبهم والوصول إلى مجتمع مبتكر وراقي.
ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ
مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية