دور اللامنهجية في كشف قدرات الطالب وصقل مهاراته،حسين النيرب

حسين النيرب

على الرغم من ظهور مصطلح اللامنهجية حديثاً في التعليم إلا أن ذلك لم يتم تطبيقه في قطاع غزة بالشكل المطلوب؛ فالتعليم في غزة أشبه بالتعليم البنكي الذي يقوم على إلغاء وتهميش الإنسان وذلك عبر تعامل الكادر التعليمي مع الطالب بمتلقٍ سلبي عليه أن ينفذ ثم يناقش هذا وان أعطي له مجال للنقاش أساساً؛ لأن في هذا الوقت يكون المنهاج مقدساً ولا مجال للنقاش أبداً.

ومهمة المعلم هي إيداع المعلومات داخل عقل الطالب الذي يقتصر دوره على استقبال هذه المعلومات وهذه الطريقة تنتج قوالب مكررة من الطلبة ويتم ذلك لأن المعلم يتعامل مع الطلبة بأن ليس لديهم أي خبرة أو معرفة وعلى الطالب أن يستمع لشرح المعلم بخشوع وأن يتلقى المعلومات دون نقاش وجدال وهذه صورة مصغرة عن ما يدور في النظم الاستبدادية وبهذه الحالة يترفع الطلب من مرحلة لأخرى دون أن يبحث عن معلومة واحدة على الأقل وهذا ما يسمى بالتلقين.

هذا بجانب أن المعلم يكون مقيد بالمنهج ولا يتم إشراك أي محتوى خارج المنهج ولا حتى الأنشطة اللامنهجية التي تعمل على اكتشاف المواهب والقدرات والاستعدادات المختلفة لدى الطلبة وصقلها والعمل على تطويرها وتحويل كل هذه العقول من أفكار لخبرات عملية وربط الطالب باحتياجات البيئة وبث روح المنافسة بين الطلبة، ويمكننا أن نجمل كل ذلك في جملة: " إعداد الطالب للحياة " أعتقد أن بعضكم يتساءل ما هي حلقة الربط بين الأنشطة اللامنهجية وإشراك الطالب في العملية التعليمية، دعونا نجيب على ذلك.

في التعليم البنكي لا يوجد ما يسمى بالأنشطة اللامنهجية بتاتاً لأنه بالأساس هو نظام استبدادي واستعبادي من وجهة نظري، ولكن نجده في التعليم التحرري, ويمكن أن نقول أن التعليم التحرري الذي دعا إليه "فريري" في منهجه عن طريق تبادل المعلم دوره مع الطالب فيتعلم كل منهم من الآخر. حيث أكد فريري أن المعلم لا يمكن أن يكون هو مصدر المعرفة الوحيد وأن المعرفة عملية بحث وتقصي وتفكير وليس تلقين، وأنه لا يوجد جهل مطلق أو حكمة مطلقة وأن العالم في عملية تطور متجدد، وأرى أنه يمكن أن يتم ذلك عبر أكثر من طريقة وأهمها الأنشطة اللامنهجية التي تساعد المعلم والطالب معاً في العملية التعليمية، فهي تساعد المعلم على اكتشاف طلابه وتساعد الطالب على تقوية شخصيته في المقام الأول وصقله للحياة بعد كشف موهبته.

دعوني أذكركم بأمر مهم أن الطالب في غزة يدخل الجامعة بناء على مستوى تحصيله وليس بناء على رغبته وهذا يعود إلى نوع من الجهل اتجاه الأنشطة اللامنهجية والتي أسلفت أنها هي من تكشف مواهب الطالب ورغباته فيتخرج وقتها لنيل وظيفته فقط وفي هذا الحال لم نجد حالات إبداعية متميزة بالشكل المطلوب، ولنكن صريحين أكثر فإنه في العقود الأخيرة, لا يتم إشراكنا نحن الشباب في المسابقات العالمية بالشكل المطلوب فنحن لا نبدع بشكل كبير في أي مجال، فالمساهمة الحضارية العربية في الحضارة الإنسانية معدومة ومتوقفة منذ مئات السنين حتى المواهب والقدرات أشبهت بالعدم، ببساطة لأن العبقرية والمواهب والتميز تحتاج فضاء من الحرية والنظام التعليمي في غزة مخصص لخنق حرية الطالب وإخضاعه وتحطيمه.

ولكن ما هو الحل المناسب لهذه المشكلة التي أشبهت بالكارثة؟

دعونا نراقب سوياً كلمات حسين البرغوثي في مقاله" الرشاقة الذهنية " : يجب أن يعطي المعلم كل ما هو حي وعضوي وطيب في روحه وأن يبث الحياة في كلامه وأن يكتشف كل ما هو جديد ومختلف في المادة المقررة وأن يسعى للوصول إلى قلوب الطلبة وأن يلامس أرواحهم وأن يعي بأن التعليم ليس ما يردده أو ما يكتبه على السبورة بل هو حث الطلبة على الاندهاش والفضول والحركة والسؤال والوصول إلى أعماق عقولهم، ويختم البرغوثي قائلاً:" الإنسان الذي فقد القدرة الاندهاش إنسان ميت؛ فالتعليم هو الحياة والطالب الذي لا يستطيع أن يشعر بالحياة في معلمه لن يتعلم منه إلا الموت ".

ونجد أن كلمات البرغوثي تؤكد على أن الطريقة الأولى لاكتشاف الطالب هي تعزيز العلاقة ما بينه وبين المعلم وتأتي الأنشطة اللامنهجية كأكثر المساحات التعليمية حرية لممارسة الدور التعلمي بين الطالب والمعلم والتفاعل مع جميع المكونات التعليمية والحياتية المحيطة .

ترجع مسؤولية محتوى هذا المنشور لمؤسسة بيت الصحافة, ولا يعكس بالضرورة موقف مؤسسة روزا لوكسمبورغ

مشروع خطوة نحو تعليم أفضل- تنفيذ بيت الصحافة – فلسطين وتمويل مؤسسة روزا لوكسمبورغ الألمانية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد