تابعنا كالعادة الأخبار الواردة من العاصمة المصرية في إطار المحادثات حول المصالحة، وحاولنا الوصول إلى رأي أو موقف الأطراف حول ما جرى ويجري في ضوء "جديد المصالحة" المتعلق بـ"الورقة المصرية" التي كما نعتقد جاءت للتوفيق بين وجهتي نظر الطرفين المعنيين مباشرة، حماس وفتح، وترجمة لوضع آليات تنفيذ مرحلي من وحي الاتفاقات السابقة، خاصة اتفاق تشرين الأول الماضي، ومن المعروف أن حركة حماس سرعان ما أعلنت موافقتها على هذه الورقة، بينما سلمت حركة فتح ملاحظاتها ـ حتى لا نقول ردها ـ على هذه الورقة قبل يومين فقط.


ما ورد من القاهرة على ضوء ما تسرب أو ما تم التصريح به، لا يكفي للوصول إلى رأي أو موقف محدد، فالمباحثات لم تنجح، لكنها لم تفشل، بقاء وفد حماس في القاهرة مع مغادرة وفد فتح بعد تأكيده ضرورة إجراء مباحثات إضافية بين أبو مازن والقاهرة ـ حسب بعض الأنباء ـ لا يكفي للقول، إن توافقاً قد تم، كما أنه كافٍ من ناحية أخرى للقول، إن الأمور تسير إلى الأمام، وإن المباحثات المرتقبة قد تكون بهدف التوصل إلى اتفاق نهائي. وبلغة التوافقات السياسية والدولية، يمكن القول بتحفظ شديد إن اتفاقاً قد تم التوقيع عليه بـ"الأحرف الأولى" تمهيداً لتوقيع القيادات الأولى الأساسية، وهذا يستوجب احتفالاً بروتوكولياً، شاهدناه أكثر من مرة من دون أن يتحول إلى واقع حقيقي!


على مدار سنوات الانقسام التي استمرت لأكثر من عقد من الزمن، كانت التدخلات العربية والإقليمية تلعب دوراً أساسياً في وصول كافة المبادرات والجهود إلى طريق مسدود، في الآونة الأخيرة، تابعنا تحول هذا الانقسام إلى مسألة دولية، انطلاقاً من ترجمات لـ" صفقة القرن " ولحل عقدة غزة من بوابة استثمار مأساتها وكارثتها الإنسانية، وتحول المبعوث الدولي "نيكولاي ميلادينوف" إلى "كيسنجنر" جديد، مع استعادة "الجولات المكوكية" بين الأطراف المعنية لاعباً على عدة ملفات مجتمعة ومتقاطعة في أن "إنقاذ غزة" الذي بات الآن "إعادة تأهيل غزة" بعدما انكشف شعار "إنقاذ غزة" بوصفه خديعة لتمرير الحلول السياسية عبر الأزمة الإنسانية في القطاع، ومن دون أن يغير الشعار الجديد، "إعادة تأهيل غزة" من الناحية الموضوعية المعنى والمدلول السابق، لكن إعادة تأهيل غزة، يتطلب مالاً قيل إنه تم الحصول على وعود جدية تبدأ من 650 مليون دولار لتصل إلى مليار دولار مع نهاية العام الجاري، ما يطرح سؤالاً لا بد منه في هذا السياق، إذ بينما تعاني وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين من عجز مالي هو الأخطر منذ القرار 194، وتخوفات حقيقية من عدم قدرتها على تلبية الحد الأدنى من مهامها، خاصة في مجالي التعليم والصحة، نرى أن هناك تدفقاً من الوعود بإنقاذ غزة، ولو كان الأمر صحيحاً، لتوجهت هذه الأموال لإنقاذ " الأونروا " في سبيل إنقاذ غزة وكافة مناطق عمليات "الأونروا".


غير أن رصد التمويل لإنقاذ غزة، حسب ميلادينوف، ليس كافياً، إذ تم بالفعل مثل هذا الأمر، إثر الحروب الثلاث التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة، من دون أن تتم إعادة تأهيل القطاع وإنقاذه من الكارثة الإنسانية، وذلك بسبب أجواء التصعيد والتهديد المستمرين بحرب رابعة، من هنا، فإن إعادة تأهيل القطاع تتطلب استقراراً أمنياً يدفع الدول المانحة إلى الالتزام بتعهداتها المالية، والاستقرار يتطلب الانتقال من وقف إطلاق النار إلى تهدئة شاملة وطويلة، قال عنها مؤخراً وزير الطاقة الإسرائيلي، عضو "الكابينيت" الإسرائيلي يوفال شتاينس، إن التقديرات تشير إلى "قرب إبرام اتفاق لتحقيق تسوية طويلة المدى مع حماس بالتعاون مع مصر والأمم المتحدة وإسرائيل" وتظل السلطة الوطنية بعيدة عن مثل هذا الاتفاق، حسب شتاينس!


بدأ الجميع يدرك أن سبب تراجع أو فشل "صفقة القرن" من الاستمرار، يعود إلى الجانب الرسمي الفلسطيني، وبدأ الجميع يدرك أكثر من أي وقت مضى، أن أي غياب لدور مركزي حاسم للسلطة، لن يمكن أي اتفاق، على أي ملف من الصمود، لذلك كله تعمل كافة الأطراف، مدفوعة أساساً من هذا الإدراك لتفعيل ملف المصالحة على الرغم من كافة العقبات التي تنتصب أمامها!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد