ثبّتت روسيا رؤيتها ومصلحتها في مؤتمر هلسنكي بين بوتين وترامب؛ انعكاساً للإنجازات العسكرية والسياسية التي حققتها على الأرض وفي الميدان؛ بفعل سير عمليات الجيش السوري ودعمه ضد «داعش» و»القاعدة» و»الإخوان المسلمين»، وانتصر عليهم أو كاد، بعد أن فشلوا خلال السبع سنوات الماضية في تحقيق تطلعات واشنطن وتل أبيب لإسقاط نظام بشار الأسد وتغييره، ومثلما سعى بوش الأب عبر عقد مؤتمر مدريد نهاية العام 1991؛ استثماراً لنجاح الولايات المتحدة في تحقيق انتصارين: الأول نتائج الحرب الباردة 1990 في هزيمة الاتحاد السوفياتي، والثاني تدمير العراق واحتلاله وحصاره بداية العام 1991، سعى بوتين لتحقيق ما أراد اعتماداً على الإنجاز المحلي الوطني في سورية عبر صمودها أولاً وانتصارها ثانياً، ومقابل ذلك لم يتمكن بوتين فرض القضية الفلسطينية على طاولة المفاوضات الروسية الأميركية، لأنه لا يملك أوراقاً فلسطينية فاعلة وعربية ضاغطة، للإقرار بضرورة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية المحتلة عام 1967، وهذا مهم استخلاصه وإدراكه لكل من يحاول الفهم، والتعلم من أفعال السياسة انعكاساً للأفعال العسكرية والاقتصادية والبشرية على الأرض، وتأثيرها على طاولة المفاوضات.


والنتيجة الأكثر أهمية التي يجب تذكرها والتوقف عندها وإدراكها أن ترامب وقبله وزير خارجيته مع الوزير الروسي ومن قبلهما الطواقم الفنية التي تضع جدول الأعمال، فشلوا في فرض الرؤية الإسرائيلية الأميركية على طاولة بوتين، رغم الضعف الفلسطيني وهشاشة الثقل العربي ونتائج قمم الرياض الثلاثة في أيار 2017: 1 – القمة الأميركية السعودية، 2- القمة الأميركية الخليجية، 3- القمة الأميركية الإسلامية. فقد أخفق المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي المتفوق ومعه جبروت الولايات المتحدة في فرض منطق الثنائي نتنياهو ترامب حول « صفقة القرن » من خلال قمة الظهران 15 /4 /2018، التي أطلق عليها الملك سلمان قمة القدس ، وفشل أولئك الذين وعدوا ترامب بجلب القيادة الفلسطينية إلى مربع «صفقة القرن» والتعامل مع فريقها الصهيوني كوشنير وغرينبلات.


لم تحقق قمة هلسنكي شيئاً إيجابياً للعرب باستثناء الإقرار بوحدة سورية وسلامة نظامها لأن الشعب السوري وجيشه دفعوا ثمن مواجهة عشرات آلاف المتطوعين من بلدان العالم الذين جاؤوا للجهاد وإقامة نظام الخلافة في دمشق، فالعرب غارقون في حروبهم البينية، والمشروع الاستعماري الإسرائيلي يستغل الانقسام الفلسطيني، والحروب العربية، وتدمير قدرات الخليجيين المالية، للتوسع والتهويد والأسرلة لفلسطين، وجلب الأجانب، وزرع المستوطنات، وتدمير حياة الفلسطينيين الذين ما زالوا صامدين على أرض وطنهم.
الصمود الفلسطيني، وبسالة المقاومين في «الأقصى» وكنيسة القيامة ومسيرات العودة من غزة وعدم تعاطي القيادة الفلسطينية مع مخرجات صفقة ترامب نتنياهو ورفضها، عوامل تراكمية أحبطت مشروع ترامب ولا تزال تُعطله إضافة إلى تمسك موسكو بالموقف الفلسطيني وعدم التخلي عنه، ما فرض الرفض الروسي لكل ما يمس مصالح الشعب الفلسطيني التي بقيت موضع احترام موسكو المتمسكة بقرارات الأمم المتحدة، وبإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وحلّ الدولتين.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد