حالة العُزلة التي تعيشها القيادة الفلسطينية، بعد موقفها الأحادي الجانب بمقاطعة الولايات المتحدة الأمريكية بعد إقرارها نقل السفارة الأمريكية إلى مدينة القدس واعلانها عاصمة لإسرائيل، فإن تلك الحالة تتراكم مع مضي الأيام، وتنعكس بالسلب على الفلسطينيين، جراء تمسكهم بمبادئهم الوطنية ورفضهم لكافة المشاريع الأمريكية في المنطقة، والتي كان اخرها موقف القيادة الفلسطينية من صفقة القرن .

تحمل تلك الصفقة في طياتها بُعدين الأول ذو مغزى سياسي، يهدف لتفريغ القضية الفلسطينية من محتواها، وجعلها قضية اقلية تعيش على الأرض في كنتونات متفرقة في الضفة الغربية، ومساحة جغرافية محصورة في قطاع غزة ، بدأ التفكير الأمريكي بإطلاق صفقة القرن، منذ أن وصل ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، وهو يُريد انهاء القضية الفلسطينية على طريقته الخاصة، رافضاً كافة الحلول السياسية التي توصل اليها الفلسطينيين والإسرائيليين في السابق، ويريد الا يجلس الي طاولة المفاوضات من اجل عدم الالتزام بالاستحقاقات الدولية التي تنص على قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م، ولا يريد تطبيق مخرجات مبادرة السلام العربية في بيروت عام 2002، بل يبحث عن شركاء من الوطن العربي لفرض الاملاءات على الفلسطينيين، تحت وقع التهديد المالي وتقليص المساعدات المخصصة لوكالة الغوث، واغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن.

مؤخراً عقدت الولايات المتحدة حاجبيها، عندما فشل مبعوثي ترامب في التوصل مع بعض القيادات العربية لصيغة يتم فيها الإعلان عن صفقة القرن تحت رعايتهم، لعدم تقبلهم فكرة قيام دولة أو شبة دولة فلسطينية دون أن تكون القدس عاصمة لها، وهذا ما أصاب تلك القيادة بالذهول من عدم نجاح مبعوثيها من ترويج الصفقة، وبذلك تكون الصفقة قد ذهبت حزينة إلى الأدراج في خزائن الولايات المتحدة، وسيسجل التاريخ أن العرب والفلسطينيين رفضوا الصفقة التي تُنهي أحلام الفلسطينيين.

لا يمكن الاستعانة دوماً بحارس البناية من أجل وضع أساساتها فلابد أن تزور خرائط المبنى المهندسين والمختصين وتستشيرهم وتأخذ بآرائهم، ولكن الإدارة الأمريكية فضلت أن تبني لها مكانة جديدة في الشرق الأوسط من خلال الاستعانة بحارس البناية، متجاهلتاً المهندسين والمختصين من الفلسطينيين، لذلك لن تقوم تلك البناية على أساسات قوية ومتينة، لان الاحتلال الإسرائيلي لا يريد دولة فلسطينية مستقلة، بل يريد انقسام جغرافي وسياسي بين الفلسطينيين كي يتمكن من المحافظة على بقاءه ووجوده.

في الآونة الأخيرة كَثُر الحديث عن الشق الأخر من صفقة القرن، والتي تتمثل بتقديم مساعدات اغاثية وإنسانية وإقامة مدن صناعية وميناء ومطار لسكان قطاع غزة، في محاول جادة منهم لجذب طرف الانقسام الأخر نحو الصفقة كي يكون بديلاً عن السلطة الفلسطينية، في تنفيذ بنودها أو جزء منها، بُغية الضغط على أركان القيادة الفلسطينية في رام الله من أجل القبول بالجزء الأخر منها، ولكن حالة الوعي الفكري لدى الفلسطينيين أفشلت كذلك ذلك المخطط الذي يهدف الي انفصال الضفة الغربية عن قطاع غزة، وإقامة وطني بديل في أطراف سيناء للفلسطينيين على حساب الضفة الغربية، لا يمكن للفلسطينيين أن يقبلوا، بالطعام والشراب كمساومة سياسية على حقوقهم الوطنية والتاريخية، لذلك فشلت الصفقة الأمريكية بشقيها السياسي والإنساني، ولو أرادات الإدارة الأمريكية تحسين الظروف المعيشية لسكان قطاع غزة، لما منعت الأموال الخاصة بوكالة الغوث، ولما قاتلت من أجل فرض قانون تايلور فورس الذي يريد تجريم دفع مستحقات أهالي الأسرى والشهداء.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد