لقد دخلنا القرن الواحد والعشرين ونحن نعيش مرحلة العبودية الفكرية، وكأننا نعيش في القرون الوسطى، أو في أدغال أفريقيا، لازالت حالة الانطواء الفكري تسود أطباع التفكير المجتمعي، بحثاً عن مجتمع سليم فكرياً، وغير مشوه الأفكار، ولا يتبع في أنماط تفكيره الطرق التقليدية والقديمة، لازالت أمامنا نحن الفلسطينيين فرصة للتخلص من التبعية الفكرية، لتلك الأحزاب التي أوصلتنا لمرحلة غاية في التعقيد، وعدم بزوغ أنوارً في أخر النفق المظلم.

اقترب الكاتب والمفكر الفلسطيني توفيق أبو شومر، والذي يسكن قطاع غزة ، من أحد باعة الكتب على أطراف الطريق، ليجد كتابة الذي يحمل عنوان، "مختارات من مختاراتي" معروض للبيع بما يُعادل رُبع دولار فقط، توقف الكاتب أبو شومر أمام المشهد والذهول يُصيبه، لأنه لم يتوقع أن يرى ذلك المشهد في حياته، كيف وصل هذا الكتاب لهذا المكان المُغبر، إن مكانه الحقيقي في المكتبات الجامعية والمكتبات العامة، لقد وصلت الثقافة والقراءة في مجتمعنا الفلسطيني لحالة التردي وعدم البحث عن الكتاب والذي يتصف بأنه خير جليس في الزمان.

لا زلنا نعيش في زمن الانقسام، بالرغم أنه ما يُجمعنا نحن كفلسطينيين أكثر مما يفرقنا، ولكن غلبت السياسة والمال والتبعية للمحاور الإقليمية، الاهتمام بالوطنية ومفردات الوطن الجريح، لذا لابد من تفعيل دور المثقفين والكُتاب وقادة الرأي العام في المجتمع الفلسطيني من قول كلمتهم، وفرض رؤيتهم الوطنية، بعيداً عن الأجندة السياسية، وما يُرافق ذلك تقوية الجبهة الداخلية من خلال زرع الوازع الوطني لدى المواطنين من جديد، الذين فقدوا الثقة في قدرة الفصائل الفلسطينية المتناحرة على وضع أسس حل للقضية الفلسطينية، وتمادي الصراع فيما بينهم، وفقاً لأجنداتهم المختلفة، والتي تتجمع على مصالحها الشخصية، وتتفرق على مفاهيم التضحية والفداء للوطن.

لا تحتاج صناعة الأمل في المجتمع الفلسطيني سوى النهوض بالواقع الثقافي وتعزيز دوافع القراءة والتعلم الجيد، وفقاً لاحتياجات المجتمع وليس وفقاً لاحتياجات الجامعات والمعاهد التي تتبرى فيما بينها على استقطاب أكبر عدد ممكن من الطلبة للدراسة على مقاعدها، دون النظر لحاجة المجتمع من تلك التخصصات المتكاثرة والمتشابهة بين الجامعات الفلسطينية.

انتهي عهد الخرافات والخزعبلات النسوية التي اعتادت دوماً أن تُحدثنا أن الخير يأتينا من براز الطير، وأن سكب فنجان القهوة كله خير، وأن الفصائل الفلسطينية وحدها حامية المشروع الوطني، طالماً لا تستجيب لمطالب الشعب ولا تُلبي احتياجاته الأساسية فلا فائدة منها.

هناك فُرقات متعددة بين الشعب وقيادته وفصائله رغم أن تكوين تلك الفصائل نابع من الشعب نفسه، إلا أنه عندما يُصبح المواطن مسؤولا، تتغير أهدافه أولوياته ونظرته للشعب، ويبدأ حياة جديدة من الترف، والبذخ، وسيل من التصريحات اليومية التي تحث على الوطنية والتمسك بالوطن، وجاره فقيراً، وأبناء أصدقاءه يُفكرون بالانتحار لعدم وجود فرص عمل لهم، واخرين لا يقدرون عل دفع الرسوم الدراسية لأبنائهم في الجامعات، وكل ذلك يحدث في المجتمع ما بين الشعب والقيادة، ولكن الا من رحم ربي، فنادراً ما تجد قائد فلسطيني فقيراً ولا يملك سيارة فاخرة، ولا زال متمسكاً بالعيش وسط المخيم الذي ولد فيه، وتجده يُصلي في مسجدهم، ويتناول معهم طعام الإفطار.

أُريد أن أًذكركم بالرجل الذي نام تحت الشجرة، وقيل فيه، عدلت فأمنت فنمت يا عمر.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد