فرضت إسرائيل عقوبات جديدة على قطاع غزة ، وفي إطارها قررت تقليص العمل في معبر كرم أبو سالم بصورة ملموسة وإقتصاره على إدخال المواد الغذائية والأدوية والوقود ومواد إنسانية أخرى، ووقف إدخال الإسمنت ومواد البناء والأجهزة الكهربائية والأثاث وكل ما لا يندرج في قائمة المواد المسموحة حسب  التصنيف الإسرائيلي. وحسب التقديرات الإسرائيلية دخل معبر كرم أبوسالم يوم امس 200 شاحنة فقط من أصل 600 في الايام العادية. كما تقرر خفض عمق المسافة المحددة لصيد الأسماك من تسعة كيلومترات إلى ستة فقط.


وحسب المصادر الإعلامية الإسرائيلية يسود خلاف حاد بين المستويين العسكري والسياسي وداخل كل مستوى على حده، حول جدوى هكذا خطوة ومدى الحاجة لها. ويبدو أن قائد المنطقة الجنوبية في جيش الإحتلال اللواء هرتسي هليفي هو الذي دفع بإتجاه معاقبة غزة واتخذ موقفاً متشدداً رداً على الطائرات الورقية والبالونات الحارقة، وعلى الأغلب بسبب عجز جيشه عن وضع حد لهذا السلاح الشعبي المكلف. وقد أيده قائد سلاح البحرية ورئيس هيئة الأركان الفريق غادي أيزنكوت وتبنى الموقف كل من وزير الدفاع أفيغدور ليبرمان ورئيس الحكومة بنيامين نتنياهو . بينما عارض هذه العقوبات منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق المحتلة  في جيش الإحتلال اللواء كميل أبو ركن ورئيس جهاز "الشاباك" نداف أرغمان بدعوى أن إسرائيل لن تربح ولن تستفيد شيئاً من هذه الخطوات.


وفي النقاش الذي ضم قيادات جيش الإحتلال والأجهزة الأمنية لدى نتنياهو بحضور ليبرمان تم الإتفاق على أن تستمر العقوبات الجديدة على غزة حتى يتم وقف إطلاق الطائرات الورقية والبالونات الحارقة وحتى تطلق " حماس " سراح الأسرى الإسرائيليين. ولكن مع ذلك يقولون في الجيش الإسرائيلي أن سياسة الجيش لم تتغير بشأن التسهيلات وحل المشاكل الإنسانية في غزة. ويظهر أن الضغط الذي يقع على المستويات السياسية والأمنية بسبب العجز عن وضع حد للحرائق التي تحدث في المناطق المحاذية لقطاع غزة هو الدافع للعقوبات الجديدة. والمشككون في جدواها يعتقدون أن "حماس" ستستفيد من إغلاق معبر كرم أبو سالم لأن هذا سيحول دخول البضائع إلى معبر رفح ، و"حماس" تجبي الرسوم على البضائع التي تدخل من مصر.


من الواضح أن رغبة إسرائيل في الإبقاء على قطاع غزة منفصلاً وقطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية، وأخذ الفرصة الكاملة في تطبيق مشروع الإحتلال في القدس والضفة الغربية وتقسيمها والاستيطان الواسع فيها تمهيداً لضمها نهائياً لإسرائيل، لا تلغي استهداف "حماس" وقطاع غزة بما في ذلك شن حرب محدودة أو واسعة ضد غزة و"حماس" على وجه الخصوص. وتخطئ قيادة "حماس" إذا اعتقدت أن حاجة إسرائيل للإبقاء على الإنقسام قد يجلب الفائدة لـ"حماس" أو يمنحها حصانة معينة نظراً للمصلحة الإسرائيلية. وللحقيقة حتى اللحظة لا توجد سياسة إسرائيلية محددة لكيفية التعامل مع "حماس" حتى في ظل الرغبة الإسرائيلية في تخفيف وطأة المأساة الإنسانية في قطاع غزة تحسباً للانفجار. وخطوة العقوبات الجديدة هي مثال حي على عدم وجود خطة إسرائيلية أو معالم واضحة لسياسة بهذا الخصوص. 


الموقف الإسرائيلي يتمثل بردود الأفعال والخطط المرحلية وليس باعتماد استراتيجية واضحة أو خطة طويلة الأجل، بمعنى أن إسرائيل تجد صعوبة في إقناع العالم في تبني وجهة نظرها بشأن إعتبار "حماس" حركة "إرهابية" على غرار الموقف الأميركي الذي وضعها على قائمة الإرهاب وفي نفس الوقت تذهب إلى عقد اتفاقات مع "حماس". وتميل إسرائيل إلى التفاهم مع "حماس" بصورة غير رسمية عبر مصر.و مع أن قطر من خلال سفيرها العمادي تحاول الدخول على خط الوساطة بين "حماس" وإسرائيل، إلا أن إسرائيل تفضل مصر.


وقد لا ترغب إسرائيل بطرح نزع سلاح "حماس" الآن كما كانت في السابق بحيث لم يعد هذا شرطاً لتخفيف القيود عن قطاع غزة، بسبب ما تدعيه بأن "حماس" فشلت في الفترة التى أعقبت الحرب الأخيرة على غزة في عام 2014 في تهريب سلاح متطور من الخارج او حتى في تطوير السلاح بصورة جدية كما فعل "حزب الله" الذي ضاعف قوته بشكل ملموس وخطير كما تقول الأوساط الأمنية الإسرائيلية. ولكن تل ابيب لا يمكنها أن تغفل وجود السلاح في غزة وسيبقى القضاء على سلاح المقاومة الغزية هدفاً لإسرائيل.


الضائقة التي يمر بها قطاع غزة والسياسة الإحتلالية ضده تستدعي رؤية الواقع كما هو والتخلص من الأوهام بشأن القدرة على معالجة الوضع هناك ومواجهة المخاطر المترتبة على السياستين الإسرائيلية والأميركية تجاه القضية الوطنية بدون الوحدة الوطنية وبدون توحيد شقي الوطن والقيادات السياسية والمؤسسة الفلسطينية عموماً. وهذه في الواقع مهمة "حماس" كما هي مهمة قيادة منظمة التحرير والسلطة. وهناك مسؤولية وطنية كبيرة على كل القيادات السياسية وخاصة أصحاب القرار لإنقاذ الوطن من الضياع وتخفيف معاناة  مليوني فلسطيني في قطاع غزة المحاصر, والوحدة شرط أساسي للتصدي لأية مؤامرة مهما بلغت شدتها وقوة الأطراف الضالعة فيها. ودعونا مرة واحدة نخرج من حالة ترديد الشعارات إلى العمل الملموس والبناء والقائم على التوصل إلى تسويات معقولة لكل قضايا الخلاف. ولنمنح الأشقاء المصريين فرصة النجاح في توحيد صفوفنا ولنتجاوب مع جهودهم المباركة للمصالحة والوحدة الوطنية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد