ستتخذ وكالة " الأونروا " تدابير استثناثية تقشفية في تمويل عملياتها الإغاثية والتشغيلية في مناطق عملها الخمس، إلاّ أن قطاع غزة سيتأثر أكثر من أي منطقة أخرى نتيجة لاعتماده على أكثر من سبعين بالمائة من إجمالي اعتماد مواطنيه على "الأونروا" بالنظر إلى الظروف الكارثية التي يمر بها سكان القطاع. هذه التدابير كان يمكن أن تكون أقل تأثيراً بالمعنى السلبي، لو أن مؤتمر نيويورك للمانحين قد تجاوز الفشل في سد العجز المالي للوكالة، ذلك أن هذا المؤتمر لم يجمع سوى 50 مليون دولار فقط، وهو المبلغ الذي يساوي في نتائجه مؤتمر روما الذي عقد في منتصف آذار الماضي، هذان المؤتمران فشلا بسد العجز المالي البالغ 446 مليون دولار، عندما تم جمع 100 مليون دولار فقط.


التدابير التقشفية ستطال أهم أنشطة وعمليات وكالة "الأونروا"، وتحديداً مجالي الصحة والتعليم، ما سيؤثر سلباً على ستة ملايين لاجئ فلسطيني في مناطق عمليات "الأونروا" الخمس، إذ رغم المناشدات والتحذيرات التي أطلقها المفوض العام لوكالة الغوث أمام مؤتمر نيويورك للمجتمع الدولي، والتحذيرات من خطورة الأزمة المالية التي تخنق الوكالة التي من شأنها أن تهدد برامجها بالتوقف، وحرمان ما يقارب نصف مليون طالب من التعليم في 700 مدرسة تابعة للوكالة، إلاّ أن هذه المناشدات والتحضيرات لم تلق أذناً صاغية من المانحين، الذين سبق وأن أدانوا القرار الأميركي بتقليص الدعم المالي للوكالة، إلاّ أن عدم الاستجابة لمتطلبات سد العجز في ميزانية الوكالة، يعتبر تساوقاً عملياً مع الموقف الأميركي ـ الإسرائيلي بالتضييق على أعمال الوكالة تمهيداً لإنهاء عملها، ولا يمكن فهم فشل مؤتمر نيويورك، إلاّ في سياق المؤامرة التي تحيكها تل أبيب وواشنطن لتحقيق الهدف المعلن بإنهاء ملف اللاجئين، من خلال إنهاء عمل وكالة الغوث، الأمر الذي يتطلب من وجهة نظرهم تفاقم أزمة الوكالة بحيث تعجز عن القيام بدورها الذي حددته الجمعية العامة للأمم المتحدة.


وقد لفت انتباهي في هذا السياق، مقال لإيلان غولدبرغ الزميل الباحث ومدير برنامج الشرق الأوسط في معهد الأمن الأميركي الجديد، وأحد المسؤولين البارزين في فريق وزير الخارجية الأميركي السابق جون كيري للمفاوضات، يقول فيه إن آخر ما يحتاجه الإسرائيليون والفلسطينيون هو محادثات سلام فاشلة، والأهم من هذا كله هو بناء الاستقرار في غزة، ويدعو غولدبرغ إدارة ترامب للتراجع عن قرارها بتقليص دعمها لـ"الأونروا" والإفراج عن 300 مليون دولار كمساعدة أميركية للوكالة، ويضيف مبرراً هذه الدعوة "الحل ليس قطع نسبة كبيرة من المساعدات عن منظمة تقديم الدعم الضروري للقطاع دون أن يكون هناك بديل عملي، ذلك أن "الأونروا" هي الخيار الوحيد هناك، فهي تعلّم ربع مليون طالب، الذين قد يبحثون عن مدارس أخرى تديرها حركة حماس ".


ومن اللافت، أن مدير عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ماتيوس شمالي، وخلال تعليقه على مخرجات مؤتمر نيويورك للدول المانحة قد أشار إلى أن بعض التعهدات التي أعلن عنها من قبل بعض الأطراف العربية والدولية، تتوزع على النحو التالي: 50 مليوناً من قطر والسعودية والإمارات، وعشرة ملايين من تركيا، تم التعهد بها في شهر آذار في مؤتمر روما، وتم تسلمها بالفعل، وبالتالي فهي "ليست أموالاً جديدة" ولكن قامت هذه الدول بالإعلان عنها في مؤتمر نيويورك!


وبعيداً عن الأرقام والأموال، تحدث شمالي عن مسألة بالغة الأهمية، عندما أشار إلى أن هناك عدداً من الدول التي تعتقد أنه إذا ما تم وقف الدعم لـ "الأونروا" فإن ذلك سيؤدي إلى إنهاء قضية اللاجئين، ذلك أن البديل الوحيد لـ"الأونروا"، يكمن في إيجاد حل عادل وشامل لقضية اللاجئين، لذلك فالوكالة باقية ما بقيت هذه المسألة دون حل، وذلك وفقاً لقرار إنشائها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة.


لذلك، فإن أحد أهم معايير رفض صفقة القرن الأميركية ـ الإسرائيلية لا يمكن ترجمته إلاّ من خلال دعم "الأونروا"، لأن هذه الوكالة باتت مستهدفة من خلال هذه الصفقة استهدافاً لملف اللاجئين الفلسطينيين، وما الحديث عن "إنقاذ غزة" من خلال جمع تمويلات وتسهيلات خارج اطار الوكالة، والسلطة الوطنية الفلسطينية، إلاّ دليل مؤكد على أن الأمر يتعلق بإنقاذ صفقة القرن تحديداً، باعتبار الحل الإنساني للكارثة في قطاع غزة، هو البوابة السياسية لتمرير هذه الصفقة!


Hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد