2014/12/09
199-TRIAL-
من الطبيعي جداً أن تكون الحكومة بحاجة إلى "تعديل" حكومي، يضيف إلى أعضائها وزراء جدداً، فمرور ستة أشهر على تشكيلها تعتبر كافية للقيام بعملية مراجعة، تعدل من مسارها، وتحسن من أدائها الذي شابه العديد من الإخفاقات، التي كانت متوقعة، على أي حال، نظراً لظروف تشكيلها، وللمهمة التي أنيطت بها ارتباطا بتلك الظروف.
أولا _ جاء تشكيل حكومة الدكتور رامي الحمد الله الثانية مقلصاً، لأنه تحددت لها مهمة التحضير لإجراء الانتخابات الرئاسة والتشريعية، بعد ستة أشهر من إصدار المرسوم الرئاسي الذي يحدد موعد تلك الانتخابات، وحيث إن الجميع كان يعتقد بأن ذلك المرسوم سيترافق مع التوافق بين حركتي فتح و حماس على تشكيل الحكومة، فإن البعض ظن بأن هذه الحكومة قد فقدت الغطاء التوافقي بعد مرور تلك الفترة، لكن وحيث إن هذه الحكومة تشكلت على خلفية التوافق، وكانت بحاجة إلى دعم الحركتين حتى تقوم بمهامها على أكمل وجه في كل من الضفة الغربية و القدس و غزة ، الأمر الذي لم يتم، بل أن عودة النزاع بين حركتي فتح وحماس إلى مربعه الأول، يعني بأن إجراء التعديل أو حتى إجراء تشكيل حكومي جديد بات أمراً ضرورياً.
ولا شك أن ظروف التوافق التي كانت أرضية التشكيل الحكومي الحالي، قد دفعت رئيس الحكومة المسؤول الأول عن أدائها، والمحاسب بالنتيجة عن نجاحها أو فشلها في أداء مهامها، قد فرضت على الرجل أن "يتنازل" عن بعض الدوافع أو الاعتبارات المهنية في ذلك التشكيل، حرصاً على التوافق، وقد ظهر ذلك في اختلاف وجهتي النظر بين رئيس الحكومة وعضو مركزية فتح، مسؤول ملف المصالحة الأخ عزام الأحمد، في برنامج "ع المكشوف" في تلفزيون فلسطين.
يمكن القول إذن، إن رئيس الحكومة يحتاج إلى التعديل الحكومي، وهو الذي يبدو أنه، ومنذ تشكيل حكومته الأولى مطلع حزيران من العام 2013، وهو يخضع في تشكيله الوزاري لاعتبارات سياسية داخلية، تكبل يديه إلى حدود بعيدة، وفي ظل الصراع السياسي الداخلي بين "فتح" و"حماس"، يمكن القول إن هذا الصراع يؤثر سلباً ليس فقط على أداء الحكومة، ولكن أيضا وقبل ذلك على تشكيلها، وحتى أن اعتبارات "فتح" الداخلية تؤثر بشكل ما على ذلك، لأن حكومة الحمد الله الأولى، كما كان حال حكومات الدكتور سلام فياض ، تحسب على "فتح"، الداعم الرئيسي لتلك الحكومات، وحيث إن "فتح" مقبلة على عقد مؤتمرها السابع، بعد أشهر قليلة، فإن موافقة الرئيس على التعديل الحكومي، كذلك الظروف الخاصة بأداء السلطة على جبهتي، المنظمة الدولية، والانقسام الداخلي تؤثر جداً على هذا القرار، بما في ذلك الموافقة عليه أو لا، فضلاً بالطبع عن شكل وطبيعة ذلك التعديل.
أول معضلة تواجه التعديل، هي موقف حركة حماس، حيث إن "حماس" اندفعت إلى الأمام، وكرد على تصاعد الخلاف بينها وبين "فتح"، منذ الفشل في التوصل إلى حل لمشكلة رواتب موظفي "حماس" في غزة، ومن ثم عدم الاتفاق على آليات إعمار غزة، وفي ظل التوقف عن متابعة المفاوضات الأمنية مع الجانب الإسرائيلي عبر الوساطة المصرية، والتي كانت تؤمل "حماس" فيها النفس، أن تبرر لها حرب غزة، وحيث إن العكس حدث، فبدلاً من فتح المعابر وكسر الحصار، زاد طين الحصار بلّة، وتوقف حتى معبر رفح ، منذ شهر ونصف بالتمام والكمال عن العمل، وصولا إلى تفجير منازل قادة "فتح" وإلغاء الاحتفاء بالذكرى العاشرة لرحيل قائد فلسطين التاريخي ياسر عرفات، فإن "حماس" طالبت بحكومة وحدة وطنية أو حكومة اتفاق وطني، ومن الطبيعي أن لا تقبل بتعديل حكومي لا تشارك في صياغته، وإذا حدث مثل هذا الأمر، فإن ذلك سيعني بتقديرنا إحباطاً في صفوف "حماس"، وحسماً لموقفها باتجاه التحول تماماً للمعارضة والكف عن المراهنة على مواصلة طريق المصالحة، بحيث يمكن القول: إن تعديلاً حكوميا دون مشاركة "حماس"، سيعني انه قد تم إغلاق ملف المصالحة تماماً ورسمياً ونهائياً.
ومن بعيد يمكن الإشارة إلى التطورات التي تحصل على الجانب الإسرائيلي، فإن لاح في الأفق نجاح أحزاب اليسار والوسط، وصعود نجم كحلون وساغر، وتشكيل ائتلاف منهما مع لبيد وليفني وليبرمان وهيرتصوغ، وبالتالي ظهور احتمال إلحاق الهزيمة باليمين المتطرف الإسرائيلي في انتخابات شهر آذار القادم، فإن ذلك سيزيد من احتمالات تفضيل "فتح" الاستمرار في إدارة الظهر لـ "حماس"، أو على الأقل البقاء في مربع، أن لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم، أما إذا كان العكس، فإن مسؤولية "فتح" الوطنية ستفرض عليها تقديم تنازل لم يعد صعباً ولا قاسياً، ولا يعدو كونه تقديم قشة خلاص لحماس، وكل هذا بات بين يدي الرئيس، الذي سيتدبر الأمر بروية كما هي عادته، وسيفضل أن يقلّب الحالة على كل وجوهها ويقرأ كل احتمالاتها، فيتخذ القرار الذي قد يكون صعباً، لكنه إن لم يكن أفضل الموجود فإنه سيكون بأقل الخسائر.
Rajab22@hotmail.com
295
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية