كان من نصيبي أن ألا أسافر خارج أسوار القطاع، فأحد أصدقائي وصفه بسجن غزة المركزي، وأنا أضفت له وصف "الكبير"، لا أعرف معنى طعم ولون الحياة خارج القطاع، لقد أًصابني هاجس أنه لا أحد يعيش على كوكب الأرض سوى سكان غزة، وما قوافل المساعدات الغذائية والطبية وغيرها، التي تزورنا في القطاع وتساند بقائنا على قيد الحياة، ما هي إلا رزق من السماء كالأمطار، أو سمك البحار، ولكنها تأتينا على عربات متحركة، تخترق جدران الخزان، لتكون قوت للفقراء والمعذبين في الأرض.

سألني أحد أصدقائي الذين يعيش خارج الأراضي المحتلة عن حال الوطن؟ انتظرت وتريثتُ كثيراً قبل أن أقدم الإجابة، وفكرت في السؤال مراراً وتكرارً، ووجدت أن الوطن يحتضر، والسبب.

أن الوطن منقسم إلى أربع أقسام، قسم تُسيطر عليه قوات الاحتلال الإسرائيلي في القدس المحتلة، وهو يعاني من عمليات اقتحام مستمرة للمسجد الأقصى وتضييق على شكل الحياة اليومية واعتقالات مستمرة في صفوف الشباب والشيوخ، ويعاني من تهويد في التعليم والصحة وحفريات تحت البيوت المقدسية، وأخيراً نقل سفارة الولايات المتحدة إلى المدينة، لتكون بذلك عاصمة لدولة إسرائيل.

القسم الثاني، وهم السكان العرب داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في المثلث والجليل والناصرة وغيرها من المدن والذين يبلغ عددهم قرابة 1.8 مليون فلسطيني، وهم يحملون الهوية الإسرائيلية، وينتمون لفلسطين، ويعيشون في ظروف عنصرية في التعليم والصحة والخدمات الأساسية داخل إسرائيل.

القسم الثالث الضفة الغربية وتعيش تحت سلطة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية وحركة فتح، وتحيا الضفة واقعاً ليس ببعيد عن مدينة القدس، فتقتحم القوات الإسرائيلية المدن الفلسطينية بين الحين والأخر وتعتقل من تعتقل، وتُطارد من تُطارد، وتُقسم الضفة إلى مدن منعزلة كل واحده عن الأخرى بسبب الحواجز العسكرية الإسرائيلية المنتشرة بينها، وتمنع حرية التنقل والعبادة في الحرم الابراهيمي بمدينة الخليل.

أما القسم الرابع والأخير قطاع غزة، والذي أَصفهُ بالمغلوب على أمرة، فإنه يعاني من كل ما سبق، من حصار واغلاق واحتلال، وانقسام، وتحت حكم وسيطرة حركة حماس ، فخلال السنوات الأحد عشر الماضية، تراكمت المشاكل وتعاضدت وتماسكت في القطاع، وأصبحت متينة وقوية، ولا تستطيع جهود عربية أو دولية لحتى الأن في القضاء على تلك المشاكل الناجمة عن الانقسام الفلسطيني، والذي أضاع معه شكل وملامح الدولة الفلسطينية، وأضعف الموقف الرسمي الفلسطيني في المحافل الدولية والعربية.

في ظل ما سبق، كيف لنا أن نُقيم دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام1967م، في ظل انقسام جغرافي وسياسي وفكري، وكيف نواجه صفقة القرن المرتقبة، وكيف نواجه سياسات نتنياهو التهويدية والاستيطانية، وكيف نساعد المقدسيين على الصمود في وجه الغطرسة الإسرائيلية.

للأسف يعيش العالم في القرن الواحد والعشرين، أي أن هناك تطور تكنولوجي وعلمي في وسائل الاتصال والعلوم الذرية والنووية، وعلوم الحاسوب، وعلوم الطاقة والفيزياء وغيرها من العلوم التي وصل الانسان فيها الى ذروة التقدم، وقد تم تسخير طاقة العلماء والشباب، في خدمة قضايا الانسان في أوروبا وأمريكا وشرق أسيا وبعض الدول العربية، وكنا نتوقع أن ينعكس ذلك بالإيجاب على سكان غزة، ولكن ومع ذلك التطور إلا أن جميع ما سبق من تطور في العلوم، لم يُغير الواقع في القطاع المحاصر، فلا زالت الكهرباء تصل كحد أقصى أربع ساعات، ولا زلنا نعاني من صعوبة في توفير المياه الصالحة للشرب، ولا زلنا نتقبل المساعدات الغذائية والمعدات الطبية، ولا زالت المعابر مغلقة في وجوهنا ولا نتحرك إلا قليلاً، وكأن الحياة في القطاع باتت ضمن حقبة العصور الوسطى.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد