جولة للمنطقة يبدو أنها ستكون حاسمة، التي سيقوم بها قريباً كل من جاريد كوشنير وجيسون غرنيبلات. المبعوثان الأميركيان سيصلان إلى إسرائيل، ومصر والسعودية، ودول عربية أخرى لبحث موعد إعلان « صفقة القرن » والوضع المتأزّم في قطاع غزة . الربط بين الوضع المتأزّم في قطاع غزة، وبين «صفقة القرن»، ليس عبثياً، ذلك أن غزة، تشكل أحد أهم فصول ومفاصل الصفقة المشؤومة، وعملياً فإن الولايات المتحدة قد بدأت منذ وقت في تنفيذ أهم مفاصل وعناوين الصفقة، ما يجعل إعلانها من عدمه، أمراً لا قيمة له. الحديث بين الحين والآخر عن تعديلات على «صفقة القرن»، هو أمر نافل، ولا ينبغي أن يغري أحداً، بإمكانية التعامل معها. لا مجال لأية مواقف أو سياسات تخرج عن اطار المواقف والسياسات التي قررتها القيادة الفلسطينية وأكدتها أكثر من مرة، وحظيت بتوافق فلسطيني شامل طالما أن هذه الصفقة بدأت بمصادرة حق الفلسطينيين في القدس ، وحق العودة، واعتبار الاستيطان شرعياً. 


لقد اختارت الولايات المتحدة، تبني السياسة الإسرائيلية، حتى لو أن ذلك، سيؤدي إلى عزلتها، وخروجها عن موجبات، القانون الدولي، ويجعل دورها في الأمم المتحدة، يهدد بمكانة ودور هذه المؤسسة الدولية.


لا بأس أن بدأ الفلسطينيون، صراعهم من جديد لمواجهة كل المشروع الصهيوني الاستعماري، ومن يقف وراء هذا المشروع حتى لو كانت قوة عظمى بمستوى الولايات المتحدة.
كوشنير وغرينبلات، لا يعودان إلى المنطقة في هذه الجولة الواسعة، للبحث في تعديلات ترضي الفلسطينيين وتخفف عن العرب بعض الحرج، وإنما للبدء عربياً بتنفيذ كل دولة ما يترتب عليها القيام به، والأرجح أن تظهر المؤشرات الأولية في قطاع غزة.


بعد كل ما تعرضت وتتعرض له السلطة الفلسطينية والمؤسسات الوطنية من ضغوط عربية، كانعكاس لضغوط دولية، لا تغطيها كل البيانات والتصريحات الكاذبة، تعرض الأردن لمثل هذه الضغوط، من أجل تغيير موقفه من «صفقة القرن».


قد يغيب عن بال الكثيرين أن الموقف من «صفقة القرن»، يرقى الى مستوى الموقف المصيري ليس بالنسبة للفلسطينيين فقط وإنما، أيضاً، بالنسبة للأردن والأردنيين. نقصد أن الأردن مستهدف بعد استهداف الصفقة للقضية الفلسطينية، فيما لا خوف على القضية الفلسطينية، التي سيقطع التاريخ الحكم بشأنها طالما أن الشعب الفلسطيني موجود بقوة على الخارطة، وطالما أن إسرائيل تتكفل بمصيرها من خلال انهيار منظومتها الأخلاقية نحو العنصرية والأبارتهايد.


من الواضح أن مصير القضية الفلسطينية وإسرائيل مرتبط بجملة من العوامل من بينها، مدى قدرة الولايات المتحدة على تحمُّل أعباء نظام عنصري يرفض المجتمع الدولي بصورة متزايدة، التعاطي معه، وتحمُّل شبهة دعم مثل هذا النظام.


الولايات المتحدة، في ظل إدارة الرئيس ترامب، تتدهور مكانتها ويتراجع دورها على الصعيد الدولي، في ظل سياستها الانعزالية، وتتحول رغم قوتها إلى دولة مارقة وخارجة عن القانون.


لم يكن انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق الخمسة زائد واحد مع إيران، هو المحطة الوحيدة، التي تدفع علاقاتها مع حلفائها إلى مستويات متقدمة من التوتر، فهي قد انسحبت من البيان الذي صدر عن اجتماع السبعة الكبار الذي انعقد مؤخراً في كندا، ودخلت مع حكومتها في مواجهة، وصلت مرحلة التهديد بعقوبات وعقوبات مضادة.


أما مع الاتحاد الأوروبي، فقد بلغ الأمر أن دول الاتحاد باتت مستعدة لدعم الاقتصاد الإيراني في مواجهة العقوبات الأميركية، وأعربت عن حاجتها لأن تقرر مصيرها بنفسها في ظل سياسة ترامب التي تهدد وحدة أوروبا. ثمة ارتفاع مطرد في لهجة التحدي من قبل دول الاتحاد الأوروبي، خصوصاً ألمانيا وفرنسا، للولايات المتحدة.


إذا كان هذا هو حال السياسة الأميركية مع حلفائها التاريخيين، فهل يعتقد العرب، أن بإمكانهم أن يؤسسوا صداقات أو تحالفات تضمن مصالحهم مع الولايات المتحدة، أم أنهم سيكونون عبيداً، ويتحملون دون مقابل، دفع نفقات السياسة الأميركية الإسرائيلية التي تتغّول على بلدانهم ومصالحهم.


وكما هو مؤسف أن تتذيل سياسات بعض العرب، للسياسات الأميركية الإسرائيلية، التي تهدد حقوقهم ومصالحهم القومية، فإنه مؤسف، أيضاً، أن يبقى حال الفلسطينيين، على ما هو عليه من انقسام وضعف واستنزاف لطاقاتهم. إن بقاء هذا الانقسام، وهذا الصراع بين الفلسطينيين، لا يخالف أبسط قواعد المنطقة فقط، التي ترفع التحدي إلى مستويات متقدمة، لا تدانيها الممارسات على أرض الواقع.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد