يعود الطاقم الأميركي لمناقشة « صفقة القرن » مع القيادة الإسرائيلية، ويتواصل الحديث عن أن الإدارة الأميركية ما زالت تجري المزيد من المشاورات مع «الأطراف المعنية» قبل طرح الصفقة بصورة رسمية.


ولكثرة ما قيل عن «المزيد» من هذه المشاورات، ولكثرة ما ذكر حول المواعيد المتوقعة لهذا الطرح الرسمي، ولكثرة التكهنات التي أثيرت حول مضمون هذه الصفقة، وحول البنود والمواقف والمفاصل التي ستتضمنها خَفَتَ الاهتمام بهذه الصفقة، وتراجع التتبع الإعلامي لها، بل ولم تعد هذه الصفقة تحظى بمواقع رئيسية لا في وسائل الإعلام، ولا حتى في اهتمامات مراكز البحث والتي تمثل عادةً الجهة الخلفية للصراعات الكبيرة.


ما زال هناك من يراهن على هذا «التأنّي»، وما زال البعض الآخر يرى أنّ «في كل تأخيرة خيرة»، في حين ملّت الغالبية الإعلامية من هذا التأنّي، وفهمت أن جديد الصفقة ليس سوى بعض الرتوش التي يعتقد الرئيس ترامب أنها ستحدث فرقاً يمكّن «الأطراف المعنية» من بدء التعامل الإيجابي معها.


لقد أقنع الطاقم الأميركي على ما يبدو [إذا كانت هناك حاجة أصلاً إلى هذا الإقناع] الرئيس الأميركي أن مثل هذه الرتوش هي بالذات ما يحتاجه العرب لكي يجاهروا بالموافقة على هذه الصفقة، وأن الجانب الفلسطيني إذا لم ينخرط في «معمعانها» سيجد نفسه معزولاً عن محيطه القومي والإقليمي، أو سيجد أن هذا المحيط لم يعد جزءاً من حالة المساندة التي حظيت بها القيادة الفلسطينية.


ويُعتقد هنا، أيضاً، أن الطاقم الأميركي [الصهيوني المتطرف] يحاول أن يخفف من أهمية العامل الدولي العارض للتوجهات الأميركية حيال أزمة المنطقة، بل ويُقال هنا إن الجهة الدولية الداعمة لتوجهات ومواقف القيادة الفلسطينية يمكن أن تتفكك مع تراجع الاعتراضات العربية والإقليمية على الصفقة، ومع تحسُّن الأجواء بين الولايات المتحدة من جهة وكل من الصين وروسيا وحتى أوروبا من جهة أخرى بعد «الانفراجة» التي شهدتها الأزمة الكورية.


فما هي حقيقة هذه الرتوش وما الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى تفكيك الجهة المساندة للقيادة الفلسطينية؟


طبعاً ليس معروفاً بالضبط ما هي هذه الرتوش وما زالت المسألة تدور في دائرة التكهنات، ولكن التوقع حولها (أي حول الرتوش تحديداً) ليس صعباً ولا يحتاج إلى جهود خارقة.
المهم هنا هو أن طاقم ترامب يريد أن يأخذ موافقة إسرائيل عليها قبل أن تتم البلورة النهائية لهذه الرتوش.


وليس مستبعداً أبداً أن تتمنع إسرائيل عن الموافقة عليها بقصد «الإيهام» من جهة وبقصد الابتزاز من جهة أخرى، وبهدف الظهور بمظهر من يقدم التنازل، خصوصاً وأن الأجواء الشعبوية والانتخابية في إسرائيل حاضرة بقوة على طاولة هذه المشاورات في هذه الجولة بالذات.


نعود إلى الرتوش!
فيما يتعلق ب القدس ، أغلب الظنّ أن البحث يتمحور حول بقاء القدس مُوحَّدة تحت السيادة الإسرائيلية وبما لا يلغي أن يبقى الأردن هو الجهة الرسمية التي تشرف على المقدسات داخل الأسوار القديمة، وأن لا تتدخل إسرائيل مباشرة في هذه الإدارة وهذه الوصاية من حيث الشكل، وأن يُصار إلى إيجاد صيغة تنسيقية بين الأردن وفلسطين من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، وأن يُعهد إلى هذه الصيغة بالذات «تنظيم» ضمان الوصول الحرّ إلى الأماكن المقدسة من قبل الفلسطينيين من الضفة والقطاع.


بل ويمكن أن يُعهد إلى هذه الصيغة الإشراف على السياحة الدينية إلى هذه المناطق إذا ما تم التفاهم على الصيغة المقترحة.


بل ويُقال هنا، أيضاً، إن إضافة أطراف «دولية» إلى هذه الصيغة بما في ذلك الفاتيكان وبعض الدول الأوروبية وكذلك روسيا وبعض البلدان العربية والإسلامية مثل العربية السعودية والمملكة المغربية، أمر وارد في الحسبان، وليس مستبعداً ان يتم اعتبار هذه الصيغة هي الشكل الامثل لمفهوم السيادة الدولية على المدينة المقدسة.


بمعى آخر يمكن ان تضم احياء عربية من القدس الحالية لكي تصبح هذه الأحياء هي العاصمة الفلسطينية، وان يتم ضم الجزء الأكبر من هذه الأحياء الى القدس الغربية، وان يصار مستقبلاً الى وجود بلدية لكل طرف، وبلدية موحدة عليا غير منتخبة وإنما متوفق عليها للشؤون العامة المشتركة. 


وليس صحيحاً على ما يبدو الحديث عن «ابو ديس» تحديداً كعاصمة للدولة الفلسطينية، والأدق ان الحديث هنا يدور عن أحياء أُخرى وعن تجمعات ليست صغيرة. 


اما بالنسبة «للعودة» فهناك أحاديث متواترة عن تعويضات ضخمة رسمية وفردية مقابل عودة متدرجة الى «الضفة» او بالاحرى الى ما يتبقى من الضفة بعد الضم الاسرائيلي لجزء كبير من النازحين تحديداً وليس من اللاجئين أبداً. 


وهناك على هذا الصعيد مخططات كبيرة للتجنيس وللتوطين والهجرة الى بلدان ثالثة، وكل ذلك في إطار زمني طويل يمتد لعشرات السنين.


وفي قضية الحدود فان الحديث يدور عن السيادة الأمنية والعسكرية عليها وليس السيادة الادارية، وهذه المسألة بالذات تحتمل الكثير من المطبات التي تحول السيادة الإدارية إلى سيادة شكلية وتحول السيادة الأمنية والعسكرية إلى تحكم دائم وأبدي بها.


هذه على الأغلب هي الرتوش التي تعني في نهاية المطاف تصفية القضية الوطنية والحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.


وبالمناسبة يتم الحديث هنا بصورة مباشرة لا لبس فيها  عن أن التواصل بين الضفة و غزة لا يمر إلاّ عَبر التحكم الإسرائيلي الكامل وبما يُبقي قطاع غزة عملياً وفعلياً منفصلاً عن الضفة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد