اضطرابات الأسبوع الماضي التي اندلعت في الأردن احتجاجاً على مشروع قانون ضريبة الدخل كانت مدعاة لقلق لكل الذين يعتقدون أن وصول موجة الخراب إلى الأردن ستكون تداعياتها كبيرة، فهذا البلد لا يحتمل هزة على النمط السوري وخصوصا قلق الفلسطينيين في الضفة الغربية بالمعنى الاجتماعي والسياسي الفلسطيني الذي يتطلب وجود الدولة الأردنية القوية خوفا من تحقيق نبوءة اليمين المبكرة بالوطن البديل.
كانت حكومة هاني الملقي ضحية الاحتجاجات الأولى وكبش الفداء وإن حاولت أن تجتهد في ظروف غير طبيعية وفي غاية القسوة الاقتصادية التي تعيشها الدولة منذ تأسيسها، فمنذ عام يبدو أن الاقتصاد الأردني قد بدأ يدخل غرفة العناية الفائقة وسط تساؤلات كبيرة عن أسباب ذلك إن كانت بسبب سوء الإدارة وهناك اتهامات حقيقية أم عملية تطويع قسري للأردن وفلسطين وتحديدا الضفة الغربية ومسؤولية الأردن عن الأماكن المقدسة.
الحقيقة أن أزمة الاقتصاد الأردني ليست بجديدة وإن كانت هذه المرة أكبر تحمل قدرا من التساؤلات حول قدرة ذلك البلد على إدارة موارده فهو يمتلك دولة وأراضي ومطارات وموانئ وموارد طبيعية وغير خاضع للاحتلال فلماذا تستمر أزمة بهذا الشكل؟ ربما هناك إجابات لكن بالنسبة للفلسطيني الذي يدير نفسه تحت الاحتلال بانعدام كل شيء يبدو الأمر مدعاة للسؤال أردنيا.
لكن الأمور ليست على هذه الصورة فقط فالأردن هي الدولة الأكثر استقرارا والأقل استقرارا ...الأكثر اضطرابا والأقل اضطرابا .. وهي تبدو كأنها على الطريق المطل على كل أزمات الإقليم وكلما اندلعت واحدة في دول الجوار يجد الأردن نفسه في وسطها رغم أن الدولة الأردنية حديثة العهد نسبيا أضعف من ان تحتمل ما يحدث ولكنها تمكنت من الصمود أمام كل العواصف والسيول التي جرت في وديانها.
الأردن دولة تأسست في القرن الماضي فقط ولم تتكون وفق زواج بين التاريخ والجغرافيا عبر العصور كانزياحات لجماعات بشرية مثلا استقرت في ظروف معينة وكونت الدولة القديمة ثم تمددت بل كان لظروف التشكيل ما يؤثر حتى اليوم على إقامتها وفي غياب الذاكرة القومية الجماعية والإرث التاريخي للقرون الماضية والحساسية السكانية يبدو الأردن بحاجة إلى قدرات هائلة لاستمرار الاستقرار هناك وقد استطاع الأردن عبور كل محطات التاريخ الوعرة بسلام بذكاء ملكي قل نظيره حيث تمكن من السير تحت حبات المطر دون أن يبتل في منطقة شديدة الحساسية وشديدة الأمطار الساخنة ومعقدة الحسابات.
لقد تعرض الأردن لمجموعة من الهزات التي لا تحتملها الدول العريقة ففي العقود السبعة الماضية تعرض لخمس موجات من الهجرة الثقيلة من دول الجوار دون أن يكون جاهزا لها فقد كان هدفا دائما للهجرة، كانت الموجة الأولى بالنزوح الجماعي للفلسطينيين العام 1948 إثر قيام إسرائيل بطرد الفلسطينيين من وطنهم ثم تلتها الموجة الثانية العام 1967 إثر احتلال إسرائيل للضفة الغربية ثم الموجة الثالثة من الكويت إثر موقف منظمة التحرير الفلسطينية من حرب الخليج وكانت الموجة الرابعة العام 2003 بموجة مهاجرين من العراق إثر اجتياح الولايات المتحدة الأميركية للعراق ومنذ العام 2011 بدأت الموجة الخامسة لسنوات من السوريين الهاربين من ويلات الحروب.
إن هجرات بهذه الضخامة والمفاجئة أكبر من قدرة دولة بهذه الإمكانيات المتواضعة على التعامل معها سواء لجهة البنية التحتية غير المؤهلة لأن هجرة سكان جدد بهذه المجموعات تتطلب توسعا في تلك البنى أو لجهة بنية الاقتصاد والتعليم والتغيرات السكانية أو التداعيات السياسية لكل تلك الموجات لكنها بكل الظروف جعلت الأردن يحمل طوال العقود السبعة الماضية حملا أثقل كثيرا من قدراته ويبدو أنه سيبقى كذلك مع الحديث عن الحل الفلسطيني وإشارة الملك في دافوس للرئيس الحريري حول التوطين.
ولكن الغريب هناك في إدارة الاقتصاد والإمكانيات لدولة متسعة قياسا بسكانها والأكثر غرابة أن هذه الدولة أصبحت جزءا من مجلس التعاون الخليجي عندما بدأت اضطرابات الإقليم وخشية دول الخليج امتداده للأردن فقرر أن يضم الأردن ليصبح الأردن الخليجي أكثر فقرأ من الأردن اليتيم بل أن جزءا من الاتهام بالأزمة الأردنية موجه لدولة خليجية ربما بما يشبه عملية تأهيل للأردن لعملية سياسية قادمة في الملف الفلسطيني تتطلب إضعاف الموقف الأردني وضمان قبوله بأي شيء تحت ضغط اللحظة الاقتصادية التي أفقدته توازنه.
لكن المثير في الأردن ويدعو للاحترام حقا أن هناك حياة سياسية حقيقية ومجتمعا مدنيا ومؤسسات ونقابات فمن بدأ الاحتجاجات هي النقابات المهنية ولم يكن لجماعات الإخوان المسلمين دور فيها بعد خسارتهم للنقابات هناك وهذا يعكس حيوية المجتمع الأردني والمؤسسات الأردنية حيث الدولة التي يتمكن فيها المهنيون وليس الأحزاب المناكفة من إسقاط الحكومة وتحريك الشارع وإرغام النظام السياسي على التراجع عن قراراته وهو ما يعكس نضج النظام أيضا الذي لم يركب موجة المؤامرة مبكرا وتصرف بعقلانية وهدوء.
لقد تعاملت الدولة الأردنية مع الأحداث بدهاء ورثته عن الملك الأب وتمكنت من احتوائها، ربما أن طبيعة التركيب السياسي كنظام ملكي ساعد في ذلك، أيضا تعامل الدرك مع الأحداث تمكن من تهدئة الأمر ولكنها إن تراجعت تبقى أزمة الأردن الاقتصادية أكبر من احتوائها بقرار وقف ضريبي أو تغيير حكومة فالتاريخ كان صعبا على هذه المملكة ويبدو أن قدرها السياسي وبجانب أعقد قضية زاد من طين بلتها فالأمر حين يتعلق بالأردن فإن الاقتصاد هو سياسة والسياسة هنا تعني القضية الفلسطينية وآفاق تسويتها.. إنه قدر المملكة..!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية