للانتصار مذاق خاص دائماً لا يقتصر على الفرح، فالأهم من ذلك إعادة الثقة بالنفس، وإزاحة علامات الوهن التي تسبب الإحباط. 
فلسطين حققت الأسبوع الماضي انتصاراً رياضياً مهماً، علاوة على نتائجه السياسية  المهمة، والأهم أن الهدف قد تحقق.
في السنوات الماضية واجهنا فشلاً تلو آخر، ووصلنا إلى مرحلة اعتقد فيها البعض أن الانتصار في أي قضية أصبح حلماً بعيد المنال. ولكن ما هي عوامل هذا الانتصار، وكيف تحقق؟!
العامل الأساسي والمهم في هذا الحدث الكبير أن المعركة جاءت تحت اسم فلسطين و القدس ، ولم تحمل اسماً حركياً أو فئوياً، وهذا ما كان الجميع يردده، أن فلسطين جامعة، والمصالح الحزبية الضيقة والفوئية مفرقة وكارثية.
تكمن أهمية أن يكون النضال تحت اسم فلسطين في أن الكل مستعد للمشاركة وحتى التضحية، لأن القضية في النهاية هي التي ستنتصر، وليس المصالح. ولن يذهب هذا النصر لصالح فئة ضيقة بحد ذاتها!
إذن، السر الأول في الانتصار والنجاح هو في المفتاح «الأصلي» فلسطين ومرادفها «القدس»، القدس الموحدة وليست المفرقة.
هناك عوامل أخرى ومنها العمل الجماعي المخلص، وهنا لا بد من تثمين دور حركة المقاطعة (BDS) التي بذلت مع اتحاد الكرة جهوداً في أهم مركزين رياضيين الأرجنتين وإسبانيا، ففي الأرجنتين انضمت النقابات الأرجنتينية إلى منظمة «أمهات ميدان مايو» في الدعوة إلى المقاطعة. 
«أمهات ميدان مايو» هي رابطة أمهات أرجنتينية اختفى أطفالهن أثناء الحرب القذرة الدكتاتورية العسكرية بين العام 1972 ـ 1983، ونظمت هؤلاء الأمهات أنفسهن لمعرفة مصير أطفالهن وبدأن المسيرة في العام 77 في ميدان مايو بالعاصمة الأرجنتينية، وهدفت بالأساس إلى الدفاع عن حقوق الإنسان في وجه النظام العسكري. وفي فلسطين حقوق الإنسان مهدورة والنظام ليس عسكرياً فقط بل كولونيالي.
رابطة الأمهات نظمت الاحتجاجات خارج اتحاد الكرة الأرجنتيني في العاصمة بوينس آيرس.
حركة المقاطعة أيضاً لاحقت الفريق الأرجنتيني في مكان تدريبه ولاحقت اللاعبين بكل الوسائل الممكنة.
عامل آخر مهم هو قدرتنا على اللعب على تخبط قادة الاحتلال، وهذا فعلاً ما حصل، فمحاولة الاحتلال تسييس هذه المباراة، كانت نقطة قوة للموقف الفلسطيني. التخبط الإسرائيلي جاء في ظل العربدة التي يمارسها قادة الاحتلال بدعم من الإدارة الأميركية الشعبوية.
الهوس الإسرائيلي وصل حد الجنون، بحيث إن ما تقوم به الحكومة الإسرائيلية اليوم في ظل دعم إدارة ترامب أقرب للخيال منه للحلم، وبالتالي قادة الاحتلال أخذتهم العزة بالإثم، فصعدوا حملاتهم العنصرية والكولونيالية، وأمعنوا في اعتداءاتهم على قطاع غزة ، وغاصوا في دماء الفلسطينيين، وهذا قد يرضي ترامب ومندوبته في الأمم المتحدة، ولكنه بالمطلق لن يرضي الضمير العالمي الحي، الذي يستطيع في لحظة ما الاستيقاظ من سباته، والوقوف أمام العنصرية والعدوان، والانتصار للحق الإنساني. 
عامل آخر، ربما حان الوقت الآن لاستثماره بشكل جيد، وهو علاقاتنا مع المنظمات الحقوقية والإنسانية الدولية، والقوى المدافعة عن العدل في وجه الظلم والاحتلال.
دائماً ما كان يقتصر عملنا على الإقليم العربي لمواجهة الأحداث وفعاليات الاحتلال والمؤيدين له. وكنا دائماً نكتفي ببيانات صحافية ودبلوماسية تشجب وتستنكر وتندد، وبعد 24 ساعة ينتهي الأمر ويبقى الوضع على حاله وتتواصل الاعتداءات، ولا إنجازات حقيقية على الأرض، ولكن تجربتنا خلال السنوات الأخيرة مع المنظمات والهيئات الدولية وخاصة الأوروبية أثبتت أن هذه العلاقة أفضل بكثير من التقوقع السابق، والانكفاء على الذات.
الأمر المهم هو بناء علاقات إستراتيجية مع هذه المنظمات والقوى كي تكون قادرة على الوقوف في وجه الممارسات العنصرية، وتكون قادرة على الدفاع عن الحق الفلسطيني.
في دولة الاحتلال اليوم قلق من المستقبل على اعتبار أن إلغاء مباراة الأرجنتين قد يكون مقدمة لإلغاء فعاليات فنية أو اقتصادية أو رياضية أو سياسية على قاعدة أنه لا يجوز تشجيع الاحتلال، أو مكافأته على أعماله العدوانية.
الجانب الإسرائيلي اليوم متخبط، وكل يحمل الآخر المسؤولية عما حدث. بل تعددت الروايات عن السبب، لأن كل مسؤول إسرائيلي يحاول جاهداً إبعاد نفسه عن الفشل والهزيمة.
شكراً لكل من ساهم في هذا الانتصار سواء في شبل فلسطيني كان سيشارك في فعاليات مناهضة للحدث وليس انتهاء بـ متضامنة أجنبية تحمل مكبر صوت أمام ملعب التدريب الأرجنتيني، ولكل الفئات والمنظمات الدولية التي ما زال عندها ضمير حي تجاه حقوق الإنسان وضد الاحتلال والعنصرية.

abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد