يتكرر الإخفاق الإسرائيلي، ويرتبك صاحب القرار في كل مرة يطلق الشعب الفلسطيني طاقة العمل الشعبي السلمي. منذ الثلاثين من آذار يوم الأرض بل منذ أن توقفت الحرب على غزة عام 2014، لم تتوقف إسرائيل عن ارتكاب العدوان ولكنها لم تحصل على المبررات التي تمكنها من توسيعه متى تشاء، انضبط الفلسطينيون بناء على تفاهمات 2014 في القاهرة، ومارسوا انضباطاً شديداً خلال أسابيع حملة مسيرات العودة ورفع الحصار، لكن إسرائيل انضبطت بطبيعتها العدوانية، فارتكبت جرائم لا مراء فيها أدت إلى ازدياد عزلتها على المستوى الدولي ومنحت الفلسطينيين فرصة لتشديد الخناق حول رقبتها.


عدوانها المكثف يوم الثلاثاء المنصرم، جاء متأخراً كثيراً، إذ حاولت من خلاله، إطفاء جذوة العمل الشعبي، الذي ترافق ذلك اليوم مع انطلاق سفينة الحرية لكسر الحصار، من ميناء غزة، تحمل عليها مرضى وطلاب وذوي احتياجات خاصة.


كان معلوماً أن تلك السفينة أو بالأصح القارب المتواضع سيواجه بعنف إسرائيل يمنعه من تجاوز الاثني عشر ميلاً بحرياً، لكن السفينة ما كانت لتصل إلى نهايات غير التي وصلت إليها حيث اعترضتها القطع الحربية الإسرائيلية، واقتادتها إلى ميناء اسدود.


كانت السفينة عبارة عن رسالة قوية للمجتمع الدولي تكمل ما يجري على حدود قطاع غزة الشرقية، وكان إبحارها امتداداً للنشاط الشعبي السلمي الذي يربك إسرائيل أكثر من أي أسلوب آخر.


القصف الذي شنته إسرائيل على عديد مواقع المقاومة، قوبل بقصف مماثل من قبل حركات المقاومة، وكان كل ذلك في إطار محسوب من قبل الطرفين، فلا إسرائيل أرادت شن عدوان واسع، ولا المقاومة أرادت تصعيد الموقف إلى حد المواجهة الشاملة. 
إسرائيل منشغلة في أولوية مواجهة ما تعتبره الخطر الإيراني في سورية فضلاً عن الملف النووي، وهي تفكر في استثمار الأوضاع في الشمال نحو ابتزاز الولايات المتحدة لحملها على الاعتراف بسيادتها على الجولان السوري المحتل.


ويبدو أن اختيار إسرائيل للوقت له علاقة بالوساطات النشطة الجارية من قبل أطراف عربية ودولية، تستهدف التوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل يقضي بالموافقة على هدنة طويلة، مقابل إجراءات تسهيلية فيما يتعلق بالحصار المضروب على قطاع غزة منذ أكثر من أحد عشر عاماً.


ومعلوم أن كل هذا الحراك لا يبتعد كثيراً عن الترتيبات التي تتعلق ب صفقة القرن ، وما يتعلق بقطاع غزة منها، بحيث يجري تهيئته، لبناء الأرضية المناسبة لإقامة الكيان فيه تحت عنوان معالجة الأزمة الإنسانية التي تحظى باهتمام متزايد من قبل المجتمع الدولي، سواء من يتساوق منه مع صفقة القرن الترامبي أو غير ذلك.


كان من الصعب على إسرائيل بعد أن أدت ممارساتها الوحشية لاستفزاز المجتمع الدولي أن تشن عدواناً واسعاً على القطاع هي لا تريده، ولا يفيدها في هذا الوقت وربما لأن ذلك سيفسد على الولايات المتحدة مخططاتها التصفوية.


لم تنجح إسرائيل في إقناع جبهتها الداخلية، التي تعرضت لأذى كبير بسبب الطائرات الورقية، ومحاولات اقتحام السياج، فلقد أدى عدوانها إلى تعريض مستوطني غلاف غزة للقصف الصاروخي الفلسطيني، ما جعلهم معظم الوقت إما في الملاجئ، أو على أبوابها.


لم تحقق إسرائيل الردع الذي أرادته، ولم يؤد عدوانها إلى إيقاف مسيرات وحراك العودة، التي تتخذ يوم الجمعة القادم اسم (من غزة إلى حيفا) في إشارة إلى أبعاد سياسية تتجاوز كل الحراكات السياسية سواء الفلسطينية أو الدولية.


لقد اضطر نتنياهو ووزراؤه إلى ابتلاع ألسنتهم التي انطلقت تهدد وتتوعد بالثبور وعظيم الأمور، ومنهم من دعا علناً إلى إعادة احتلال قطاع غزة، فإذا هم يستجيبون للجهد المصري الذي أسرع في التدخل لاستعادة الهدوء.


وتتواصل إسرائيل مع لغة التهديد والعنجهية فيصدر عنها تصريحات متناقضة، بعضها يتحدث عن انتهاء هذه الجولة، وحقيقة وجود تفاهمات، وبعضها الآخر ينفي أن ثمة اتفاقاً.
المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي كأنها وجدت ضالتها فدعت مجلس الأمن لمناقشة إطلاق الصواريخ من غزة، وكأن العدوان والاضطراب بدأ مع إطلاق تلك الصواريخ، وفضلاً عن أن ذلك يشكل إعلاناً صريحاً من أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل مئة بالمئة فإنها، أيضاً، مئة بالمئة تعادي الشعب الفلسطيني.


لن تنطلي دعوة هايلي على من اجتمعوا أكثر من ثلاث مرات في مجلس الأمن بدعوة من المندوب الكويتي لبحث الارهاب الذي ترتكبه إسرائيل بحق الفلسطينيين العزل وارتكابها مجزرة بشعة يوم الرابع عشر من الجاري. غير أن دعوة هايلي قد تستهدف قطع الطريق على التصويت الذي يفترض أن يجريه مجلس الأمن الدولي هذا اليوم الخميس على مشروع قرار لتأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني.


في الخلاصة، علينا أن ننتظر تفاعلات الفشل الإسرائيلي الذريع في الجبهة الداخلية، حيث ستنطلق حملة من الانتقادات على أداء الحكومة ووزارة الدفاع الإسرائيلية.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد