مستشفى الشفاء.. التلوث يهدد المنظومة الصحية وتخوفات من كارثة بيئية

230-TRIAL- غزة / سوا/ صبا الجعفراوي / جلست عاملة النظافة نعمة الحاج -32 عام- وهي تضع يدها على خدها في باحة مجمع الشفاء الطبي، وبدت عليها علامات التعب والضيق من عسر الحال لعدم تلقيها مخصصاتها المالية منذ أكثر من ثمانية اشهر.   تصف الحاج وهي أم لخمسة أطفال والمعيل الوحيد لهم لـ"سوا" وضعها المادي بالصعب والكارثي بسبب عدم تلقيها راتبها ومخصصاتها المالية منذ اشهر طويلة.
وقالت الحاج "وضعنا صعب جداً ولا يوجد أي جهة حكومية تطَّلع لإنهاء معاناتنا، والجميع يتنصل من صرف رواتبنا سواء حكومة حماس السابقة أو حكومة التوافق الحالية".
وأضافت بحزن "أعلم أن الوضع صعب جداً والقاذورات والمخلفات منتشرة في جميع أقسام المستشفى، ولا أستطيع رؤية القسم الذي أعمل به هكذا، ولكن ما باليد حيلة فنحن نحتاج لمن يشعر بنا وبمعاناتنا وبأهمية دورنا وليس أمامنا سوى الخوض في إضرابات".
وتعاني الحاج من عدم قدرتها على توفير الطعام في بيتها ناهيك عن الديون المتراكمة عليها والتي قد تتسبب في تعريض عائلته للسجن والمساءلة القانونية.
وقالت عاملة النظافة إنه قد يتم حل مشكلتهم من خلال خوضهم إضراباً والذي دخل يومه الثاني على التوالي، قائلةً "قد نكون الحلقة الأضعف لأننا لا نستطيع أخذ حقنا كغيرنا من العمال والموظفين ولكننا بلا شك نحن الحلقة الأهم في هذه المستشفى المركزي".
وكان اتحاد شركات النظافة قد أعلن عن توقف عمله بشكل كامل في المستشفيات والمراكز الصحية في قطاع غزة أمس الأربعاء وحتى إشعار آخر بسبب عدم تلقيه مستحقاته المالية من الحكومة الفلسطينية، واحتجاجا على عدم صرف رواتب عمال النظافة منذ سبعة شهور حيث يتقاضي العامل ما يقارب 700 شيكل.
أقسام ملوثة
وحول أهم أقسام مستشفى الشفاء وأكثرها حيوية وحاجة إلى النظافة التامة والمستمرة وهو قسم الولادة، فتنتشر فيه مخلفات الأدوية الطبية والأغطية الملطخة بالدماء، ناهيك عن حجم قذارة الحمامات داخل القسم، والتي تسبب انتشار الأمراض والأوبئة وتعرض النساء وأطفالهن حديثي الولادة للخطر الشديد.
رئيسة قسم التوليد في المستشفى الحكيمة بثينة الشيخ خليل أطلعت "سوا" على حجم الكارثة التي لحقت بالقسم منذ توقف خدمات النظافة، فتقول " وضع القسم سيء جداً ولا يحتمل، فمنذ يومين ومكبات القمامة ممتلئة والدماء منتشرة في كل القسم ونحن كأطباء وممرضين نواجه صعوبة كبيرة في التعامل مع المرضى".
وأشارت الشيخ خليل أن القسم يستقبل نحو 50 حالة ولادة يومياً، ولكن ومنذ يوم أمس توقف عن استقبال الحالات العادية والتي تستطيع أن تلد في مستشفيات خاصة نتيجة الوضع الكارثي الذي حل بالقسم.
وحول وضع الممرضين والأطباء أوضحت الشيخ خليل أنهم يعانون بشكل كبير من الرائحة الكريهة المنتشرة والدماء على الأرض وفي كل مكان، مشيرة إلى أنهم اضطروا للتنظيف بأقل الإمكانيات لتوفير أجواء عمل مناسبة ولكن الوضع بهذه الصورة لا يحتمل يوماً إضافيا.   وكان قسم الولادة قد أوقف منذ يومان غرف العمليات القيصرية، واقتصر عملهم على استقبال الحالات الطارئة فقط بعد أن كانت غرف العمليات تستقبل يوميا ما يقارب 11 حالة.
وعلى إحدى الأسرة في غرف المرضى تستلقي الشابة المنهكة حليمة أبو قمر -20 عام- وإلى جانبها طفلتها حديثة الولادة والقاذورات وسلال القمامة المليئة منتشرة في الغرفة، لا تجد من يزيلها.
أبو قمر والتي أنجبت طفلتها في عملية قيصرية بعد معاناة شديدة ذكرت لـ"سوا" أن عمليتها تأخرت لمدة يوم بسبب صعوبة الوضع في المستشفى وبقسم الولادة خاصة، فكادت حياتها وحياة طفلتها أن تنتهي نتيجة تأخير ولادتها.
ولا تخفي أبو قمر خوفها الشديد على طفلتها من قلة النظافة في الغرفة التي تنام بها، خاصة أن الأطفال حديثي الولادة ليس لديهم مناعة قوية لتحمل الأمراض والأوبئة، مما اضطر أختها لتنظيف الغرفة وإخراج القمامة خوفا عليهم من الأمراض.
وفي قسم غسيل الكلى والذي يستقبل يومياً مئات المرضى انتشرت عبوات نقل الدم ومخلفات الحقن على الأرض وفي سلال المهملات المنتشرة بين طرقات القسم. وعلى أحد كراسي غسيل الكلى يجلس المريض المسن منير مشتهى -67 عام- شاكياً من خطورة الوضع وخوفه من انتقال الأوبئة له.
وقال مشتهى لـ"سوا" إن النظافة جزء مهم في حياة المريض ومن غيرها لا يتقدم في العلاج ويتأثر سلبياً، والآن بعد أن كان جهاز الغسيل ينقذنا من الموت لكننا نتعرض لخطر الموت بسبب قلة النظافة هنا".
وأصبح موضوع قلة النظافة يؤرق الحاج مشتهى ويخيفه من انتقال العدوى والجراثيم له، خاصة أن مرضى الكلى يعانون من ضعف المناعة والتي تتأثر بأي عدوى.
انهيار منظومة الصحة
من جانبها، حذرت وزارة الصحة، اليوم الخميس، من انهيار منظومة العمل الصحي في قطاع غزة في ظل وصول أزمة النظافة إلى طريق مسدود في كافة أقسام مجمع الشفاء الطبي وتراكم القاذورات والمخلفات الصحية.
وأكد د.نصر التتر مدير عام مجمع الشفاء الطبي في مؤتمر صحفي، أن أقسام مجمع الشفاء الطبي وقسم الاستقبال والطوارئ والعناية المركزة التابعة للطوارئ تمتلئ بالقاذورات والنفايات الصحية، مؤكدا أن غرف العمليات و"اكشاك" الولادة بحالة مأساوية ومتسخة.
وحذر التتر من تداعيات هذه الأزمة على صحة وحياة المواطن الفلسطيني، مبينا أن قسم الطوارئ بالكاد يستطيع استقبال اشد الحالات الطارئة، قائلا:"غرف العمليات لا يمكن إجراء عدة عمليات بداخلها لأنه لا يوجد من يقوم بتنظيفها بعد العملية كذلك اكشاك الولادة حالتها مأساوية".
وأشار إلى أن بعض الأطباء والممرضين يقوموا بالحد الأدنى من التنظيف رغم أنهم لا يتقاضون رواتب، مؤكدا أنه لا توجد بيئة صحية آمنة للعمل داخل أروقة مجمع الشفاء الطبي.
وحول وجود اتصالات مع حكومة التوافق لحل الأزمة، أكد التتر أنهم على تواصل مع وزير الصحة الدكتور جواد عواد الذي وعد بحل الأزمة وقوبلت برفض من شركات النظافة.
وناشد التتر كل الجهات المسئولة والمعنية بإنقاذ غزة من الوبائيات المحققة، والتحرك فوراً لحل الأزمة قبل أن يزيد الوضع خطورة.
تطوع بحملات تنظيف
وأعلنت مجموعة شبابية عن فتح باب التطوع للمشاركة بحملات تنظيف، في ظل الأزمة التي تعانيها مستشفيات قطاع غزة من تراكم القاذورات بعد توقف شركات التنظيف وإضراب عمال النظافة.
وفي ظل الأزمات السابقة التي تعصف بمستشفيات القطاع من انقطاع التيار الكهربائي وشح السولار المشغل للمولدات وشح الادوية والمستلزمات الطبية، زادت أزمة توقف خدمات النظافة من "الطين بِلَّة"، فمن المسئول عن هذه الكارثة؟ وإلى متى ستصمد منظومة العمل الصحي في قطاع غزة؟!.
عدسة/ علي جادالله













198
اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد