قبل أسبوع من مليونية الخامس من حزيران، ذكرى احتلال الضفة الغربية بما فيها القدس وقطاع غزة إضافة إلى الجولان السوري عام 1967، من قبل إسرائيل، صعدت هذه الأخيرة من هجماتها على قطاع غزة الذي يشكل بؤرة وجوهر حراك « مسيرة العودة الكبرى»، ورغم أن هذا التصعيد كما تقول إسرائيل جاء رداً على قيام حركة الجهاد الإسرائيلي بقصف صاروخي وبالهاون على ما يسمى غلاف غزة، فجر أمس، ما يعتبر إسرائيلياً التصعيد الفلسطيني الأخطر منذ الحرب الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة عام 2014، رغم ذلك فإن التصعيد الإسرائيلي لم يكن بحاجة إلى رد حركة الجهاد على استشهاد ثلاثة من كوادرها، لكي تقوم إسرائيل بتصعيد مدروس، له علاقة مباشرة بتداعيات مسيرة العودة الكبرى، ذلك أن وزير الحرب الإسرائيلي، ليبرمان كان قد صرح أكثر من مرة، بأن جيش الاحتلال سيقوم بالرد على مسيرة العودة بضربات داخل قطاع غزة، وبالفعل، قام الجيش بعدة هجمات خلال الأسبوع الماضي، استهدفت عدة مواقع عسكرية لكل من حماس والجهاد، ترجمة لتهديدات ليبرمان، وفي تصعيد إسرائيلي مدروس، باعتباره ليس رداً بقدر ما هو ترجمة للإبقاء على قواعد اللعبة التي تسيطر بها إسرائيل على زمام المبادرة.
كان من الملاحظ أن التصريحات الإسرائيلية حول استهداف ما يسمى غلاف غزة، وتحديداً ما تطلق عليه الدولة العبرية «التفافي غزة» من قبل قذائف وصواريخ الجهاد الإسلامي، قد نالت من مناطق قريبة من روضات الأطفال في تزامن مع وصول الأطفال إلى روضاتهم، وهذا غير صحيح بالنظر إلى أن هذا القصف فد تم في وقت مبكر، ويعود أمر مضمون هذه التصريحات إلى توجيه رسالة إلى الرأي العام العالمي، على وجه الخصوص، بأن الرد الإسرائيلي المتصاعد، يأخذ بالاعتبار هذا الاستهداف «غير الإنساني» ومبرر إضافي لكي يقوم جيش الاحتلال بتصعيد يطال المناطق السكنية والمدنية، وفعلاً قام جيش الاحتلال وطيرانه باستهداف إحدى مدارس دير البلح وسط قطاع غزة، أثناء تأدية طلاب الثانوية العامة لامتحاناتهم النهائية، لم يصب أحد بأذى من الطلاب، لكن الرسالة الإسرائيلية قد وصلت بأن ليس هناك حدود للرد الإسرائيلي!
ومع أن ليبرمان وفي إطار حديثه عن رد إسرائيلي واسع وموجع، أشار إلى أن إسرائيل لن تنجرّ إلى حرب شاملة، إلاّ أنه أوضح أن هذا الرد سيشمل قاعدة أهداف واسعة، ولن يكون «بقصف أماكن فارغة هذه المرة» في إشارة هي الأوضح في سياق التصعيد الإسرائيلي في تلميع أكثر تحديداً من أن الاستهدافات الإسرائيلية السابقة كانت لمناطق فارغة، وبحيث لا تكون هناك خسائر في الأرواح ـ حسب زعمه ـ وذلك بهدف عدم الانجرار إلى حرب قبل الانتهاء من بناء «العائق تحت أرضي» الذي من شأنه القضاء على خطر الأنفاق الممتدة من قطاع غزة حتى الغلاف الاستيطاني، والذي من المقرر الانتهاء منه أواخر العام الجاري، حسب تصريحات سابقة لليبرمان.
حاولت المقاومة الفلسطينية أن لا تنجرّ بالرد على التصعيد الإسرائيلي، خاصة من خلال الهجمات المستمرة على مواقع داخل قطاع غزة، وذلك بهدف استمرار وصول رسالة مسيرة العودة إلى حيث ينبغي، وهذا دليل على حكمة المقاومة وقدرتها على الصمود في وجه محاولات العدو لجرّها إلى حرب تغطي على مثل هذه الرسالة الموجهة إلى الرأي العام العالمي والمنظمات الحقوقية والقضائية الدولية، إلاّ أن هذه السياسة الحكيمة تم تفسيرها من قبل العدو بأنها عجز عن الرد، من هنا تم القصف المقاوم صبيحة أمس، على حدود غلاف غزة مستهدفاً المستوطنات الإسرائيلية للإشارة، إلى أن الهجمات الإسرائيلية قد تجاوزت الخطوط الحمر التي وضعتها المقاومة في اطار قواعد الاشتباك مع العدو، فإذا كان من الصحيح أن المقاومة غير معنية بالرد والتصعيد لكي لا تنجرّ إلى مثل هذه الحرب، إلاّ أنه من الصحيح، أيضاً، أن أي خرق لهذه الخطوط الحمر سيواجه برد يقنع الاحتلال بأن زمام المبادرة لا يزال لدى المقاومة في قطاع غزة.
وفي مثل هذه المواجهة، فإن الأمر يتطلب أن لا تكون «الخطوط الحمر» هذه استجابة لموقف فصيل أو أكثر من الفصائل، ذلك أن أي رد يجب أن يكون مدروساً ويتم في اطار توافق وطني يتجنب ردود الفعل الفئوية والفصائلية، فالعمل العسكري هو خدمة لتوافق سياسي، وفي جوهره ترجمة لسياسات ذات طبيعة وطنية شاملة تتجاوز تخوم وحدود البرامج الفصائلية، إلى استراتيجية توافقية وطنية شاملة، ذلك أن الشعب الفلسطيني هو الذي يتحمل مسؤولية ونتائج هذا التصعيد وهذه الحروب، وهو وحده الذي يمتلك الحق في تحديد أولوياته وأهدافه واستراتيجيات الاشتباك مع العدو وقواعد الحرب.
من هنا، فإننا ندعو إلى تعزيز التنسيق بين مختلف الفصائل الوطنية والإسلامية، وإقامة غرفة عمليات مشتركة من شأنها أن تتخذ قرارات الحرب والسلام في ضوء المعطيات السياسية والأمنية وفي اطار مستجدات الوضعين الإقليمي والدولي، لما لهما من تأثير مباشر على قضيتنا الوطنية!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية