يمكن القول أن صحة الرئيس محمود عباس تحتل مكانة خاصة في وسائل الإعلام منذ العام الماضي، وبلغ هذا الاهتمام ذروته منذ شهر شباط هذا العام، ولعل وسائل الإعلام الإسرائيلية تقف في مقدمة المهتمين بتطورات الوضع الصحي للرئيس الفلسطيني.

وتباينت التغطية الإعلامية الإسرائيلية بين نشر معلومات مبالغ فيها حول صحة الرئيس أحياناً تصل إلى حد الجزم بأنه غير قادر على أداء وظائفه كما حصل في بدايات هذا العام عندما توعك الرئيس أثر زيارته للصين، وبين نقل أخبار عن مصادر فلسطينية أقرب للدقة مثلما جرى مؤخراً، حيث كانت الصحافة الإسرائيلية أول من تحدث عن وجود التهاب رئوي وحمى لدى الرئيس أدخل على أثرها للمستشفى للمرة الثانية بعد العملية التي أجريت له في الأذن الوسطى.


 لكن التغطية الإسرائيلية لا تخلو من بحث جدي في موضوع ماذا سيحصل بعد الرئيس فيما لو أصبح خارج القدرة على إدارة موقعه كرئيس لدولة فلسطين ورئيس للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ورئيس لحركة «فتح». وأبرزت وسائل الإعلام الإسرائيلية مسألة الصراع على السلطة وطرحت سيناريوهات عديدة القسم الأكبر منها غير واقعي، وتستند لتحليلات غير مبنية على معلومات دقيقة، وغالباً ما تكون بناءً على تسريبات فلسطينية مقصودة أو غير ملمة بمجريات الأمور. وفي الواقع هذا الاهتمام يعكس قلقاً إسرائيلياً من أي تطور يمكن أن يحدث في الساحة الفلسطينية نتيجة لغياب مفاجئ لشخص الرئيس.


وللحقيقة ليس فقط الإسرائيليون من يقلقون من حدوث فراغ في الموقع الرئاسي بل الفلسطينيون أيضاً يقلقون ومعهم مختلف دول الإقليم وعدد من دول العالم وربما منظومات دولية بكاملها، فالأمن والاستقرار في هذه المنطقة يؤثر على مصالح لأطراف عديدة هنا وفي الساحة الدولية. طبعاً القلق الإسرائيلي لا يعبر عن مودة تجاه الرئيس ابو مازن أو رغبة في استمراره في رئاسة الشعب الفلسطيني. فالواضح أنه لا يمكن التفاهم معه على مشروع إسرائيلي لا يلبي الحد الأدنى من تطلعات الشعب الفلسطيني وهو فعلياً ينسف فكرة التسوية القائمة على إنشاء دولة فلسطينية ذات سيادة على كامل الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حزيران من العام 1967 وعاصمتها القدس ، وإسرائيل تتفق مع الولايات المتحدة بزعامة دونالد ترامب حول مشروعها هذا. ولكن ما لا تريده إسرائيل هو حدوث فوضى قد تقود إلى مقاومة عنيفة ضد إسرائيل وإلى تهديد الاستقرار النسبي القائم، على الرغم من عدم الاتفاق مع الفلسطينيين.


طبعاً، تصريحات عدد من المسؤولين الفلسطينيين ساهمت في الكثير من اللغط حول موضوع صحة الرئيس، وكان من الأفضل لو أن شخصاً واحداً فقط ومهنياً هو من يتحدث عن هذا بشفافية ووضوح دون الدخول في تناقضات توحي بأن شيئاً خطيراً يحدث كنفي وجود أي عارض مرضي ونفي تلقي الرئيس للعلاج اصلاً، وأن فحوصاته أثبتت أنه بوضع صحي جيد، وبروز المسألة وكأن هناك سراً كبيراً يحاول الفلسطينيون إخفاءه. ومن الأفضل بكل تأكيد الحديث من قبل جهة طبية مختصة مثل مدير المستشفى أو الطبيب المعالج حول ما حصل مع السيد الرئيس كما تم في المستشفى الاستشاري بتأخير كبير.


بعد الاطمئنان على صحة الرئيس الذي سيعود بمشيئة الله إلى ممارسة مهامه في وقت قريب، هناك حاجة لتبديد قلق الشعب الفلسطيني على مستقبله، وعدم ترك الأمور للتوقعات ولسيناريوهات أو تطورات غير منظمة في حال حصول أي شيء خارج المألوف والمتوقع. فقد آن الأوان لترتيب موضوع انتقال السلطة بصورة قانونية وباتفاق الجميع وبمصادقة منظمة التحرير. ولم يعد بقاء الصورة غير واضحة يفيد أحداً خصوصاً وأن القانون الأساسي ينص على تولي رئيس المجلس التشريعي الرئاسة لمدة ستين يوماً إذا شغر موقع الرئيس. وبما أن رئيس المجلس التشريعي من المفروض أن ينتخب في بداية كل دورة وهذا عملياً متوقف منذ انقلاب « حماس » في عام 2007 وحتى اليوم، وعلى ضوء الانقسام لا يبدو أن هذا السيناريو واقعي.  


 نحن بحاجة إلى تشريع جديد لعملية نقل السلطة، وهذا التشريع المطلوب لا يمس بسلطة أو صلاحيات الرئيس أطال الله في عمره بل يحمي النظام الفلسطيني ويبدد أي قلق لدى ابناء شعبنا وأصدقائنا وكل المهتمين بالقضية الفلسطينية وبالوضع في هذه المنطقة. كما أنه ينهي فكرة التدخل في الشأن الفلسطيني ومحاولة تنصيب ما تراه قوى إقليمية أو دولية يخدم مصالحها وحتى التآمر على الرئيس والقيادة. واجتيازنا المرحلة الانتقالية بنجاح يأخذنا نحو انتخابات نزيهة تفضي إلى انتخاب قيادة يريدها الشعب الفلسطيني. 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد