وكالة سوا الإخبارية

بعد نحو ثلاثة عشر عاماً على اتخاذ إسرائيل، في عهد رئيس حكومتها الراحل أريئيل شارون، قرار الانسحاب من قطاع غزة ، في أيلول العام 2005 من جانب واحد، يمكن القول: إنها قد حققت الهدف من اتخاذ ذلك القرار دون الاتفاق مع السلطة التي كانت ملتزمة معها باتفاقيات أوسلو، وتمضي معها في مفاوضات الحل النهائي المتعثرة، منذ العام 2000، ولكن بشكل جزئي، فهي حققت انشطاراً أو انقساماً بين شطري أرض دولة فلسطين المحتلة ما زال قائماً حتى الآن، لكنها في الوقت نفسه لم تحقق بعد هدفها الرئيس وهو أن يتم تدوير قطاع غزة بحيث يتحول إلى كيان مستقل، أشبه بالدولة المستقلة، والسبب في ذلك يعود إلى أن الفصائل أجمعت عشية ذلك الانسحاب على رفض اعتبار انسحاب إسرائيل من قطاع غزة فقط ومن جانب واحد إنهاء لاحتلالها له، ثم إن السلطة رفضت إعلانه دولة مستقلة، ثم تدحرجت الأمور بعد ذلك بعام حين تقاسمت " حماس " السلطة مع "فتح"، ثم بعد عام آخر بتولي "حماس" الحكم في القطاع، حيث تعذر على إسرائيل و"حماس" معاً التوصل لاتفاق سياسي بينهما يذهب بغزة إلى الكيان المستقل.

كان هذا قبل أحد عشر عاماً، ارتبطت "حماس" خلالها بأثر من محول إقليمي، في الوقت الذي أصرت فيه على التمرد على السلطة الفلسطينية وعدم التوصل معها إلى حل رسمي ينهي الانقسام، فهي تحالفت أولاً مع "محور الممانعة"، ثم مع "إخوان" الربيع العربي، الذين لم يطل بهم المقام في الحكم، خاصة في مصر، ورغم أن "حماس" منذ العام 2011 ابتعدت عن محور إيران _سورية_ حزب الله، إلا أن انخراطها في التحالف مع قطر وتركيا، اللتين تبدوان قريبتين من بعضهما، لا يظهر عليها معالم الحلف الإقليمي، فقطر رغم دعهما للربيع العربي، إلا أنها ظلت معتدلة فيما يخص أميركا وإسرائيل، فيما تركيا بدأت تتبع سياسة غير مقبولة على أميركا في أكثر من مكان، ومستفزة لإسرائيل خاصة فيما يخص "حماس".

كل محاولات قطر لمساعدة حكم "حماس" على مواجهة عجزها عن حل مشكلات غزة المعيشية كانت تجري بما لا يغضب إسرائيل، من ذلك دفع بعض فواتير موظفي "حماس" المدنيين دون الأمنيين، وتزويد غزة بالسولار من أجل تشغيل محطة الكهرباء أو تشييد بعض الوحدات السكنية، فيما كان دعم تركيا الرئيس مرتبطاً بسفن كسر الحصار حتى وصل الأمر إلى حادثة "مرمرة" التي وترت العلاقات بين أنقرة وتل أبيب.

المهم أنه ومنذ عام تقريباً، أي منذ دخل ترامب البيت الأبيض، وبعد أن أغلق الأبواب في وجه احتمال أن تشارك السلطة في مفاوضات مع إسرائيل بالرعاية الأميركية أو حتى في مؤتمر إقليمي من أجل تظهير صفقة العصر، فإن الحاجة إلى بديل فلسطيني تبدو ملحة من أجل طرح الخطة أولاً ومن ثم تنفيذها ثانياً.

الآن وبعد نحو ستة أشهر من إقدام مصر على الدفع بعجلة المصالحة الداخلية، كونها أفضل الطرق، حتى من أجل مناقشة أو التعامل مع أي مبادرة للحل السياسي، حيث بدا واضحاً أن دول محور الاعتدال العربي، لن يكون بمقدورها أن تقول: "لا" لخطة أميركية في حال طرحها، وعدم مشاركة الجانب الفلسطيني ستجعل الأمر معقداً جداً، لذا فإن إغلاق ملف المصالحة بعد محاولة تفجير موكب رئيس الحكومة ورئيس المخابرات في منتصف شهر آذار الماضي، في الوقت الذي جعل فيه الوضع المعيشي في قطاع غزة لا يطاق؛ بعد الإجراءات التي اتخذت أولاً بعدم صرف راتب ذلك الشهر الذي كان يفترض أن يتحول للبنوك في أول نيسان، وصرف نصف راتب شهر نيسان مطلع شهر أيار الحالي، كذلك عقد جلسة المجلس الوطني، دون توافق، جعل من أمر المصالحة الداخلية وإنهاء الانقسام أمراً غير منظور.

زاد الإحباط والواقع المأساوي في قطاع غزة، ما دفع "حماس"، للدفع بحشود المواطنين عبر مسيرة العودة ، منذ الثلاثين من آذار بشكل متدحرج، وصولاً إلى منتصف أيار الحالي، حيث ارتكبت إسرائيل مجزرة سقط خلال ما يزيد على ستين شهيداً وأكثر من ألفي جريح.

قبل ذلك كان أمراً ذا دلالة أن يظهر رئيس حركة "حماس" بجوار السياج الحدودي مع صور مارتن لوثر كينج والمهاتما غاندي ونيلسون مانديلا، أي كرجل يسعى من أجل السلام، ولا يتحدث إلا عن المقاومة السلمية، ورغم أن "احتواء الأسوأ" تم يوم الرابع عشر والخامس عشر من أيار الجاري، فإن "حماس" التي أرست ثقافة خاصة بهدفها الرئيس منذ أكثر من عشر سنوات، وهو كسر الحصار المفروض على غزة، والذي كان يصطدم أولاً باستحالة أن يحدث في ظل حكم عسكري لـ"حماس"، لأن الحركة أولاً غير معترف بها، ثم لأن قوة القسام متنامية في غزة، ولا تتوقف عن تطوير قدراتها العسكرية، باتت مجدداً تبدو على مقربة من أن تكون الطرف المفاوض.

المهم أن سكان غزة الآن باتوا في قدر تغلي، وقد تم توجيه غضبهم نحو الحدود الإسرائيلية بعد أن كان يجري في سنوات سابقة توجيهه نحو معبر رفح ، حيث تم تدمير السياج الشائك واقتحام الحدود مع مصر أكثر من مرة، ولأنه حتى "محلول الجلوكوز" الذي كان يدخل غزة على شكل رواتب موظفي السلطة قد توقف، بعد بضعة أعوام من تدمير الأنفاق ووقف عجلتها الاقتصادية، بات الدخول من بوابة إنقاذ غزة من الوضع المأساوي هو المتداول خاصة لدى إسرائيل.

تريد إسرائيل الآن أن تحول الضغط الناجم عن التظاهرات والاحتجاجات الدولية وكذلك عقد المؤتمرات وتقديم عرائض المساءلة القانونية الدولية، إلى الوجهة الإنسانية، بما يحقق معالجة خاصة لمشكلات غزة خارج المطالبة بإنهاء احتلال الضفة الغربية، ومن يدري ربما تشمل صفقة العصر التي يقال: إن ترامب ينوي طرحها بعد رمضان مباشرة، تتضمن "غزة أولاً" كما كان الحال سابقاً في أكثر من مناسبة، ولأجل تجاوز عدم قبول "حماس" كشريك في الحل بالمدى المنظور على الأقل ربما يتم تشكيل إدارة جماعية أو من التكنوقراط وها هي إسرائيل تعلن أن عدوها هو فقط قادة القسام، فيما لم تتضمن قائمتها المستهدفة بالاغتيال أياً من قادة "حماس" السياسيين!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية