في مقال ساخر، يعدد الكاتب الإسرائيلي في صحيفة "معاريف" بن كاسبيت هذا العدد الهائل من النجاحات التي قام بها نتنياهو هذا الأسبوع، انسحاب ترامب من الاتفاق النووي والفشل الإيراني في المساس بإسرائيل، والضربة العنيفة التي وجهها لايران الجيش الإسرائيلي، ثم الاحتفاء بنقل السفارة الأميركية إلى القدس ، وحتى أنه يمكن الاحتفال بإنجازه المتعلق بفوز إسرائيل في سباق الأغنية الأوروبية.. لكن ما يخفف من هذه الإنجازات، تحرش الفلسطينيين المثير للأعصاب، وبعد أن يسخر من " حماس "، أيضاً، يصل إلى جوهر ما أراد قوله: "الأخبار السيئة، الفلسطينيون لا يزالون هنا، لم يذهبوا إلى أي مكان، وسينهضون هذا الصباح أكثر نشاطاً مما كانوا صباح الأمس". بن كاسبيت يضع بقلمه الحقيقة التي لا تزال تؤرق دولة الاحتلال، خاصة في القدس، وتحديداً في شطرها الشرقي! فالاعتراف الأميركي بالقدس عاصمة للدولة العبرية ونقل السفارة إليها، لا يلغي حقيقة موجعة ومؤرّقة للإسرائيليين على اختلاف تشكيلاتهم السياسية، فالفلسطينيون ما زالوا هنا، والحقيقة الأكثر مرارة بالنسبة لهم، أنهم ـ الفلسطينيين ـ سيظلون هنا، ليس كجزء من الحقيقة، بل جوهرها، صمود أهالي القدس رغم كل محاولات الأسرلة والتهويد سؤال عقود سبعة ماضية، وخاصة بعد احتلال شطرها الشرقي عام 1967، فهذه الحقيقة لا تزال ماثلة، موجعة ومؤرّقة، وتجعل إنجازات نتنياهو محدودة، بل "رمزية" كما يقول بعض كتّاب الرأي في الإعلام الإسرائيلي!
لكن الحقيقة الفلسطينية الأكثر إيلاماً، أن صمود أهالي القدس في مدينتهم لم يكن إلاّ إرادة ذاتية بحتة، إذ لم يكن هذا الصمود نتيجة لمجهودات داعمة، عربية أو إسلامية، بقدر ما كان دفاعاً عن الذات بإمكانيات ذاتية، ذلك أن التوصيات والقرارات المتكررة التي أقرتها مؤتمرات القمم العربية، بتشكيل صناديق دعم القدس ظلت مجرد قرارات وتوصيات، ولم يصل من الوعود إلاّ القليل اليسير، كما أن هناك قمتين عربيتين: قمة بغداد 1995 وقمة القاهرة 2000، قررتا قطع العلاقات مع أية دولة تنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وذلك تأكيداً على قرار الجامعة العربية عام 1980 بهذا الصدد، غير أن القمم العربية اللاحقة، وكذلك اجتماعات مجالس الجامعة العربية، تجاهلت تفعيل هذه القرارات، ومن المتوقع أن اجتماع مجلس الجامعة العربية اليوم، لن "يجازف" بتفعيل هذا القرار، وترجمة ذلك دعماً مالياً وسياسياً لأهل القدس المحتلة، سيظل مجرد توصيات وقرارات لا تجد طريقها للتنفيذ، خاصة على ضوء حرص بعض الأطراف العربية على بذل جهود حقيقية، وخطوة خطوة نحو التطبيع مع إسرائيل، ناهيك عن تبرير استخدامها للقوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين الفلسطينيين، بدعوى حقها بالدفاع عن نفسها!
لذلك، ظلت القدس بأهلها الفلسطينيين لقمة سائغة للقرارات العنصرية الإسرائيلية المتلاحقة، خاصة لجهة التأثير على الأبعاد الديمغرافية للعاصمة الفلسطينية، سياسات الإفقار والإبعاد وسحب هويات الإقامة، وهدم المنازل والضرائب الجائرة، إلاّ أن فشل هذه السياسات أدى إلى البحث عن إبداعات جديدة، تارة من خلال خطة فصل الأحياء العربية، وحيناً آخر من خلال ضم هذه الأحياء في إطار القدس الكبرى، ومؤخراً، وفي احتفاء الدولة العبرية بضم القدس لدولة الاحتلال عام 1980، مستفيدة مما وفره القرار الأميركي باعتبار القدس عاصمة لها ونقل سفارة أميركا إلى العاصمة الفلسطينية، والأهم من ذلك، تعويضاً عن فشل إخضاع أهالي القدس وصمودهم، تفتقت الذهنية العنصرية الإسرائيلية عن حل إبداعي، ينطوي على محاولة بائسة لاحتواء صمود أهالي القدس، من خلال ما أسمته بتطوير مدينة القدس الشرقية، باستثمار نحو ملياري شيكل في مجالات التربية والتعليم والإسكان والبنى التحتية، بهدف تقليص الفجوات بين القدس الشرقية والغربية، حسب الحكومة الإسرائيلية التي لم تتردد في اتخاذ هذا القرار بالقول إن ذلك سيوفر أرضية لانخراط وتشجيع المقدسيين العرب في المؤسسات الأكاديمية والاقتصادية والعمل العام، وبحيث تظل القدس عاصمة موحدة بشطريها لدولة الاحتلال!
ومؤخراً، ومع اقتراب موعد انتخابات بلدية القدس، خرجت بعض الأصوات تطالب بمشاركة فلسطينية في هذه الانتخابات، بوهم أن مثل ذلك قد يقلب المعادلة، حتى أن هذا البعض تخيل رئيس بلدية فلسطينياً(!) ناهيك عن "مساواة" في الخدمات المختلفة بين السكان العرب واليهود في القدس المحتلة، ويتجاوز هذا البعض الآثار السياسية لمثل هذه المشاركة، ناهيك عن أن خدمات سلطات الاحتلال التي يجب أن تتوفر للمواطنين العرب، مفروضة من خلال القانون الدولي الذي يفرض على دولة الاحتلال القيام بهذه الخدمات، إضافة إلى أن المواطنين العرب يدفعون الضرائب العنصرية، خاصة ضريبة "الأرنونا"، لذلك فإن الدعوة لمثل هذه المشاركة يشرع وحدة المدينة تحت الاحتلال وعاصمة له، ويشكك في مسألة وحقيقة أنها تخضع تحت الاحتلال، ويعمل على تنفيذ السياسة الإسرائيلية، بالأسرلة والتهويد للمدينة المقدسة ومواطنيها العرب!
Hanihabib272@hotmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية