خلال متابعتي لتغطية وسائل الإعلام ل مسيرة العودة ، التي بدأت يوم 30-4-2018م أُسجِّلُ احترامي لجهود المناضلين الإعلاميين الأكْفَاء، ولكنني رصدتُ اللقطات المُسْتَفِزَّة التالية:
صورة مدمني البحث عن كاميرات التصوير، من بعض المحللين، ومن قادة الأحزاب، وهم يقفون في منتصف الجموع، بعضهم يَحضرون هذه المسيرة بكامل زينتهم، يعقدون على رقابهم ربطات العنق الحريرية، والبدلات اللمَّاعة، وسط الغبار، والدخان، غير بعيدين عن سيارات الإسعاف التي تنقل المصابين والجرحى، أمثالُ هؤلاء همُّهم الأكبر، هو أن يُستدعوا للوقوف أمام كاميرات التصوير، وإن لم يَحْظَوا بالدعوة، فهم يُخجلون بعض الصحافيين، يطلبون منهم استضافتهم، لا لغرض البروز، وإشباع غريزة، البارانويا، أو النرجسية فقط، بل لإثبات حضورهم في هذه المناسبة، وللتأكيد على أنهم يقولون ما يفعلون، أمثالُ هؤلاء يُغفلون دورَهم الرئيس، وهو التوعية، وتقديم النصائح والإرشادات المفيدة للجماهير!


يستفزُّني كذلك حامل الكاميرا الذي يتسلل بها داخل جموع المتظاهرين، ليسلط الكاميرا على شابٍ يقدم جسده طُعما لبندقية جندي الاحتلال، هذه الكاميرا تتحول من وسيلة رصد إلى محرض للقاصرين، الذين يُحيطون به، فيندفعون لغرض التقاط صورهم، غير عابئين بالخطر!


يجب أن يُدرك بعضُ الإعلاميين، بأن استخدام الكاميرا في ذروة الأزمات سلاحٌ ذو حدين، يجب ألا يكون حاملُها وناقلُ الحدث هو مسيِّرَها، كما هي العادة، في كثيرٍ من وسائل الإعلام، لا بُدَّ من وجودِ مُخرجٍ بعيدٍ، يوجِّه حامل الكاميرا، والمذيع، إلى الزاوية التي يجب أن تحظى بالرصد المكثَّف! لأن خطرَ كاميرا التصوير العشوائية، لا يُسيء إلى النضال فقط، بل يؤثِّرُ تأثيراً سلبياً على الأطفال، وصغار السن! فكثيرٌ من الأطفال الذين يتفلتون وسط الأزمات، ويتسللون إلى أماكنَ يجهلون أخطارَها، هؤلاء يقعون ضحية كاميرات التصوير، لأنها تُصبح هي المُسيرة لهم!


يجب ألا تكون غايةُ الكاميرا، الخبطة الصحافية الحصرية للمصوِّر، أو المُذيع، بل يجب أن تتولى الكاميرا التوجيه والإرشاد، في ذروة الأزمات! فما أزال أحفظ، قصة الصحافي، الجنوب إفريقي، كيفن كارتر، الذي انتحر بسبب عذاب ضميره من لقطةٍ، التقطتْها عدستُهُ لطفلة سودانية عارية، مصابة بجفاف الجوع، تزحف للنجاة، بينما يتأهب نسرٌ جائعٌ للانقضاض عليها، فحصل على جائزة، بوليتز عام 1993م عن لقطة النسر، والفتاة العارية الجائعة. أحسَّ الصحافي، كيفن كارتر، بأنه ضحَّى بالطفلة في سبيل هذه الخبطة الصحفية، وأنه خشي أن يلمسها، حتى لا تنتقل إليه الأمراض، فانتحر بعد وقتٍ وجيز!!


من المناظر الصحافية المستفزِّة كذلك، لقاءات الكاميرات مع ربات البيوت، وهنَّ يحملن أطفالَهن الرُّضع معهن، بزعم أنهن يقمن بواجب نضالي، وأنهن يشاركن في هذا الجهد البطولي،  في وسط قنابل الغاز، والغبار، مع العلم أن بقاءهن في المنزل يرعين أطفالهن، ويحافظن عليهم، هو الواجب الوطني الأسمى والأرفع!!


ومن المناظر الصحافية المؤذية أيضا، صور الدماء، التي تسيل من المصابين، بعد أن أصبح كثيرٌ من الإعلاميين يغضون الطرف عن تأثير الصورة على المشاهدين، ولا سيما الأطفال!!


ومن أبرز الصور الإعلامية المُضلَّلة، أن يتولى صحافيٌ الاقتباس من محتوى منشورات جيش الاحتلال، التي يلقيها على المحتشدين، وهو يجهل أنه ينفِّذ خطة المحتلين، أو يقرأها كما هي!!


 ومن الصور المنفِّرة أيضا صورةُ الكاميرا، التي تلتقط إخلاء المسعفين للجرحى والمصابين، وكيفية هجوم الجمهور على المصابين، بادِّعاء مساعدتهم، يحملونهم بطريقة خاطئة، ويُعطلون عمل المسعفين المدربين على الإخلاء، ولا يكتفون بذلك فقط، بل يَجري كثيرٌ من حاملي وباء الفضولية، وحب الاستطلاع، وراء سيارات الإسعاف نحو المستشفى الميداني القريب، يدخلون معهم، يراقبون عمل الأطباء، وحين يسألهم الطبيبُ عن صلة قرابتهم بالمصاب، يُصدم حين يكتشفُ أنهم فضوليون، والله أعلم!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد