أخيرا تمكن النظام السياسي الفلسطيني من "تجديد" شرعية مؤسساته وأدواته من مركزية حركة فتح إلى اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية تحت ضغط دولي واضح لإحداث تغييرات تسمح بتمرير الرغبات الإسرائيلية، ومحاولات عربية حثيثة لجعل النظام الفلسطيني جزء من مراهنات تحولات الإقليم، وجهود داخلية كبيرة بذلتها حركة حماس لا ضعاف النظام السياسي التقليدي من خلل سحب الجبهة الشعبية الى منطقة الوسط وحركة الجهاد الى أقصى اليمين.

أمام ما سبق من بيئة داخلية وإقليمية ودولية بذل النظام الفلسطيني جهد كبير للمحافظة على موقع "المراوحة" السياسية الخارجية والوطنية الداخلية بين "الذئب والراعي"، والاستمرار في تبني نفس المحددات السياسية العامة التي تستند على "أخلاقية" المجتمع الدولي، وما تم إنجازه من اعترافات ووثائق جديدة لصالح الحقوق الفلسطينية، دون إحداث تحول هام في بنية النظام ذاته، ومن ثم في المسار السياسي، من خلال إبقاء الباب مفتوح أمام عودة المفاوضات بألية دولية جديدة تحقق "توازن" أمام الانحياز الأمريكي للاحتلال الإسرائيلي، من خلال روسيا والصين وفرنسا، وهذا قد يعيدنا الى مفاوضات مديدة بين أيدي "الطباخين الكثر"، في حين أن الأخطر هو الوقت الذي يعمل دوما لصالح الاحتلال في مفاصل الصراع فعدد المستوطنين للفلسطينيين في القدس الشرقية 70/100 وفي الضفة الغربية30/100.

"الحكمة السياسية" التي ظهرت في "رعشة القرارات"، تؤكد أن النظام السياسي الفلسطيني الرسمي يعتبر أن سقف قرارات المجلس الوطني المنعقد في الجزائر قبل 30 عاما تمثل السقف الأعلى بالنظر الى المتغيرات الكبيرة المحيطة وفي "تطورات الصراع" مما يجعل "المرحلية" كأساس لمبدأ حل الدولتين "ألية قديمة" وغير فاعلة باستشراف المستقبل القريب، وكل رسائل التهديد المُرسلة الى الاحتلال "بتسليم مفاتيح السلطة لنتنياهو" أو التضييق الاقتصادي ونزع شرعية حماس القانونية من خلال "حل المجلس التشريعي" واستعادة "برلمان فلسطين" رغم كونه الأقدم من ناحية الشرعية الشعبية، وهي خطوة أفقدها قوتها "موقف الجبهة الشعبية" من الدورة الحالية للمجلس الوطني.

لذلك النظام السياسي يعيش "أزمة أوراق ضغط" تجبره على المضي في المراوحة، كما أن حركة حماس وجدت نفسه أسيرة نفس الخيار" المراوحة" في مرحلة التعقل التي بدأت من الوثيقة السياسية دوليا، والعلاقة الأمنية المتنامية مع مصر رغم أن تحولات الإقليم باعتماد "مقياس دمشق للتحالفات" لن تسمح لحركة حماس بالحفاظ على خيار "إرضاء الجميع" في لعبة تفوق فيها النظام السياسي الفلسطيني الرسمي رغم "عدم استقرار" علاقاته مؤخرا مع الأنظمة الرسمية العربية.

بخصوص استعادة الوحدة الوطنية وإيجاد حلول للصراع على السلطة وتحصيل الجباية والمساعدات الخارجية، أبقى المجلس الوطني مقاعد مفتوحة في العدد بهدف تفعيل المحاصصة السياسية بانتظار تسويات داخلية تفرضها عوامل خارجية بالدرجة الأولى، دفعت النظام السياسي لترك مقاعد في المجلسين الوطني والمركزي و20 ألف وظيفة لاستيعاب حركة حماس على طريقة استيعاب حزب النهضة التونسي في أحسن الأحوال.

التغيرات السياسية لدى المكونات الفلسطينية تصنعها سياسات جريئة محسوبة أو غير محسوبة، ومحاولة توفير أوراق ضغط يبدو أنها في تناقص مستمر، لأن المجلس الوطني سيعتمد سياسة "تقليل الخسائر ودرء المفاسد" وليس "المغامرة" من أجل تحقيق أرباح.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد