42-TRIAL- رسالتان مهمتان أطلقهما الرئيس محمود عباس موجهتان بالدرجة الأساسية للمجتمع الدولي، الذي بات فاقد القدرة على إقناع أو إرغام إسرائيل على إعادة النظر في سياساتها الاحتلالية، وأطماعها التوراتية، وبعد أن فقد هذا المجتمع كل قدرة على تقديم الوعود، وسوق الذرائع والمبررات، التي لم تفعل سوى أن وفرت لإسرائيل المزيد من الوقت لمتابعة مخططاتها التدميرية. 
الرسالة الأولى، جاءت من خلال اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ذلك الاجتماع الذي شخص على نحو شجاع وموضوعي، طبيعة وجوهر السياسات الإسرائيلية الرامية لتنفيذ مخطط إسرائيل الكبرى، وتبلور الطبيعة العنصرية وغير الديمقراطية لنظام الحكم في دولة الاحتلال.
على أن هذه الرسالة غير مكتملة، ذلك أنها تنطلق في ظل وضع فلسطيني داخلي سيئ جداً، من حيث استمرار ظاهرة الانقسام، وتصاعد الحملات، الإعلامية والسياسية بين حركتي حماس وفتح، ومن حيث شكل حكومة الوفاق، التي تنتظرها قرارات صعبة من حركة حماس بعد الثاني من كانون الأول الحالي. 
وهو اليوم الأخير في عمر حكومة الوفاق حيث تكون بلغت من عمرها الستة أشهر، ما يوفر لحماس الفرصة، لسحب الطبيعة التوافقية لهذه الحكومة، طالما أن المجلس التشريعي لم يكن هو الذي منحها الثقة. 
ماذا ستفعل "حماس" بالضبط، لا ندري، ولكن أي قرار ستتخذه للتعبير عن فشل المصالحة، ورفض الواقع القائم، ستكون له أبعاد سلبية تعمق من مظاهر الانقسام والاختلاف، وتجهز على من تبقى لديه بعض الآمال.
الرسالة الثانية، جاءت من على منبر الجامعة العربية، وقد أكمل من خلالها الرئيس ما تبقى في إطار عملية التشخيص، ولكن بنفس اليائس من المفاوضات وعملية السلام، والعازم على أن يحصل من العرب على قرار يتبنى التوجه إلى مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار إنهاء الاحتلال، هذا المشروع الذي تأجل كثيراً من باب مسايرة الإدارة الأميركية.
مجلس الجامعة العربية تبنى الموقف الفلسطيني، وهو أمر لا جديد فيه إذ ان مثل هذه المجالس تتبنى المواقف الفلسطينية في معظم الأحيان، ولكن السؤال هو هل ستمارس المجموعة العربية ضغطاً حقيقياً، وتظهر إرادة جماعية قوية، في مواجهة الاعتراضات التي تنتظر المشروع في مجلس الأمن، وهي بالدرجة الأولى وربما الحصرية، تتعلق بالموقف الأميركي الذي نرجح أن يرفع "الفيتو" في وجه العرب والفلسطينيين؟
المشكلة ليست في سياسات ومواقف الولايات المتحدة، المعروفة تاريخياً بأنها لا تكتفي بتقديم كل الدعم والحماية لإسرائيل، وإنما تمنع إقدام أي مؤسسة دولية أو غير دولية من اتخاذ أي قرار أو إجراء بحق دولة الاحتلال. 
على أن المشكلة الأساسية هي أن الرسالة التي أرادها الرئيس عباس أن تكون عربية، تأتي في ظروف عربية بالغة الصعوبة والتعقيد، وتنطوي على ضعف يوازي، ضعف الحالة العربية المفككة، والمشغولة في صراعاتها الداخلية، والمعرضة لمؤامرات التقسيم، والتقزيم.
وضع يشبه القدر، فيما تتعلق بقوة الموقف العربي المطلوب لدعم حقوق الشعب الفلسطيني ونضاله، ولكن لا يزال في الوضع العربي، ما يمكن الاستناد إليه، ونقصد أن مصر ودول الخليج، والجزائر والمغرب، وتونس التي تتماثل للشفاء، هذه الدول تستطيع حين تحزم أمرها، أن تفعل الكثير لمناصرة القضية الفلسطينية، وردع الأطماع الإسرائيلية.
لا نقصد هنا أن على هذه الدول أن تجرد جيوشها لتشن الحرب على إسرائيل وإنما يدور الحديث عن إمكانيات هائلة اقتصادية وسياسية ومعنوية لا يمكن للولايات المتحدة أن تتجاهلها، وإن فعلت فإنها ستزج بنفسها في درك العزلة الدولية، التي تندفع إسرائيل نحوها.
ولكن في كل الأحوال، فإن مناعة الوضع الفلسطيني ووحدته، وجاهزيته لخوض المجابهة تظل هي الأساس، وهي الميدان الذي ينبغي أن يركز عليه الفعل السياسي الفلسطيني، لا يستطيع أي فلسطيني أن يلقي باللوم على العرب والمسلمين أو على المجتمع الدولي، بينما البيت الفلسطيني خارب والقوة الفلسطينية مفتتة ومتصارعة على النحو الذي نشهده منذ أكثر من سبع سنوات.
لماذا يستطيع الفلسطيني أياً كان الخوض في مفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، مع العدو الإسرائيلي، وأن يقبل المساومة حتى حين تكون مجحفة ولا يستطيع خوض المساومة، ودفع ثمنها على طاولة المصالح الوطنية، العليا للشعب الفلسطيني؟
خراب البيت الفلسطيني، والبيت العربي لا يعني بالطبع، استنزاف المزيد من الوقت، للتحول بالقضية بكل ملفاتها الساخنة، نحو الأمم المتحدة والمجتمع الدولي خاصة وأن إسرائيل قطعت كل صلة بالمفاوضات والعملية السلمية، وان الرباعية الدولية، قد فقدت القدرة وبالتالي فقدت الدور، فيما أصبح الاحتكار الأميركي للملف عبئاً على السلام، وعلى حقوق الشعب الفلسطيني.
نفهم أن الموافقات، أو التوصيات التي تصدر عن عديد البرلمانات الأوروبية تشكل رسالة تهديد أولية، تستخدم للضغط على إسرائيل، ولكن هذه الرسائل لن تنفع في شيء مع تصاعد حمّى العنصرية، ولا تدل على نضج الوعي الأوروبي، الذي بلغته دولة السويد حين اعترفت رسمياً بالدولة الفلسطينية. 
بعض هذه البرلمانات، كالإسباني علق موضوع الاعتراف، باتفاق الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي على قيامها من خلال المفاوضات، ما يدل على تخلف هؤلاء عن إدراك طبيعة ومآلات الصراع الجاري في المنطقة.
يلفت النظر المبادرة الفرنسية، التي تتجه نحو عقد مؤتمر دولي من أجل استئناف المفاوضات، خلال مدة زمنية محددة بسنتين، لكن هذه المؤتمرات تذكرنا بمؤتمر انابوليس، الذي أصبح في خبر كان. 
المنطقي ان من يقدم مثل هذه المبادرة، فضلاً عن التصريح الإيجابي والجيد الذي أدلى به وزير خارجية فرنسا السيد فابيوس بشأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية، المنطقي أن تصوت فرنسا في مجلس الأمن الدولي لصالح القرار الفلسطيني العربي، الذي يتحدث عن إنهاء الاحتلال خلال ثلاث سنوات وليس سنتين فهل ستدعم فرنسا ومعظم أخواتها الأوروبيات هذا القرار، أم أن مبادرة المؤتمر الدولي تستهدف استنزاف المزيد من الوقت في مراهنات معروفة نتائجها مسبقاً؟
96

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد