منذ صغرنا ، طالما ما استمعنا لمواعظ وإرشادات دينية في المدارس والمساجد عن عقوق الأبناء تجاه والديهما، وأن الجنة تحت أقدم الأمهات، و طاعة الوالدين في كل شيء واجباً عدا الشرك و الكفر بالله.

ولكن نادرا ما نسمع عن عقوق الوالدين أنفسهما تجاه أبنائهم، وعن انتهاكهما لحقوق أطفالهم الأبرياء واستخدامهم لجميع أنواع العنف تجاه أطفالهم سواء كان ذلك عنف نفسي أو جسدي أو لفظي أو غيره من أنواع العنف الأخرى المتوحشة ، حيث من النادر أن نجد أحدا ينتقد الأب العنيف و الأم اللعانة الشاتمة التي تصب كامل غضبها على أطفالها بدون ذنب لهم، سوى أنها تُسقط إحباطها و فشلها بالحياة على أطفالها الأبرياء وتسبب لهم بعقد نفسية.

للأسف لا نلاحظ وجود حملات توعية كبيرة تنظمها المؤسسات التعليمية العربية بشكل عام و الفلسطينية بشكل خاص في مجال توعية الوالدين في حقوق الطفل، حتى أن المدرسين في بعض المدارس الحكومية كانوا يتباهون منذ زمن أمام تلاميذهم ، بامتلاكهم أطول و أرفع عصا يمكن أن يستخدموها لإرهاب تلاميذهم بالمدرسة ، مما أنشأ ذلك جيل عنيف و متسرب من تلك المدارس.

و لا يتمثل العنف ضد الأطفال فقط في مظاهر العنف المنزلي الذي يتعرض له الطفل بشكل دوري داخل بيته، بل هناك أيضا بعض الممارسات الخاطئة التي يقوم بها الوالدين عندما يصطحبون أطفالهم للمشاركة في أنشطة سياسية خطرة، قد تعرض حياة أطفالهم لخطر الموت أو الإصابة الخطيرة .

و هذه المشاركة السياسية للطفل الذي لا يعي الهدف منها ، تُعد استغلالا سياسيا من قبل الوالدين و المشرفين على تلك الأنشطة السياسية لحياة هؤلاء الأطفال الأبرياء ، وذلك حتى يتم استخدام صورة الطفل الضحية كمادة إعلامية دسمه للأخبار العاجلة.

وكأن هؤلاء الآباء و الأمهات لا يهمهم سوى الشهرة ،و المكاسب المالية التي لا تتجاوز بضعة دولارات مقابل تعريض حياة أطفالهم للخطر وانتهاك خصوصيتهم.

فتارة نجد أم تجلب أبنها الرضيع ذو العامين ، بحفاضته البيضاء ، يقف عاري الصدر في أخطر مكان بالعالم قرب الحدود الإسرائيلية ، ممسكا بإحدى يديه زجاجة حليب يرضع منها بكل براءة ، و ممسكا بيده الأخرى حجرا لا يعلم ما معناه ، فيتم المتاجرة سياسيا و إعلاميا بصورته البريئة في مشهد دراماتيكي مصطنع قد يعرض الطفل لخطر الموت بسبب التسمم بالغاز أو التعرض لرصاصة جندي إسرائيلي طائشة..

و تارة أخرى ، نجد أمهات يجلبن أطفالهن اللذين لا تتجاوز أعمارهم بضعة أشهر ، في وسط مسيرة ملوث هوائها بالغازات السامة فيختنق هؤلاء الأطفال بالغاز السام ، دون وجود أدنى مشاعر رحمة في قلوب أمهاتهم الجاهلات بحق أطفالهن بالحياة و الصحة.

أين عاطفة الأمومة و الأبوة في قلوب العائلات التي تضحي بأطفالها، لكي يصبح هؤلاء الأطفال مجرد قرابين بشرية لأهداف سياسية ؟

أين دور المؤسسات الاجتماعية و التعليمية و الحقوقية في توعية هؤلاء الآباء و الأمهات المستهترين بأبسط حقوق الطفل ؟

لا نريد أن نحرر فلسطين بدماء أطفالنا ، نريد أن تحمي فلسطين أولا أطفالها و تكون لهم بمثابة وطنا أمنا ، ينعمون به بحياة كريمه و آمنه.

أطفال فلسطين ليس مكانهم مقابر الموتى ، و أسرة المستشفيات ، و لا حتى شاشات الأخبار الساخنة التي تبحث عن سبق صحفي لطفل جريح أو شهيد .

أطفال فلسطين مكانهم الحقيقي هو الحدائق الخضراء و الملاعب الآمنة و البيوت الرحيمة و المدارس العلمية .

لذا كفى المتاجرة بحياة الأطفال، و استغلالهم سياسيا سواء في مظاهرة حزبية أو مسيرة حدودية أو سبق إعلامي .

فمن لا يحب أطفاله لا يحب وطنه ، ومثلما هناك عقوق للأبناء تجاه الوالدين ، هناك أيضا عقوق للوالدين تجاه أبنائهم ،

أطفالكم أمانه بأعناقكم، دعوهم وشأنهم ، يعيشون بسلام دون إقحامهم بأمور أكبر منهم ، لا تحكموا عليهم بالموت مسبقا أعطهم فرصة للحياة ليكبروا ، و يقرروا كيف يمكن أن يخدموا وطنهم ، فلا تقرروا مستقبلهم نيابة عنهم لأنهم مجرد أطفال ضعفاء لا يملكون أن يحددوا مصيرهم وحدهم.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد