الصحفيان أبو حسين ومرتجى يتحاوران في الجنة
أهلا .. أهلا .. أهلا.. طالت الغيبة يا صديقي ماذا لو جئت معي منذ لحظة الإصابة ووفرت على نفسك هذه المعاناة الكبيرة ودموع أصحابك ، وأمك وهي واقفة على حافة السرير تناجي الله أن تعود؟! ، بهذه الكلمات بدأت الكاتب محمود جودة سرد حوار خيالي دار بين الصحفيين الفلسطينيين أحمد أبو حسين وياسر مرتجى اللذين استشهدا برصاص الاحتلال الاسرائيلي خلال تغطيتهما ل مسيرة العودة .
هذا ما سرده الكاتب محمود جودة.
في الجنّة
أهلا .. أهلا .. أهلا .. طالت الغيبة يا صديقي، ماذا لو جئت معي منذ لحظة الإصابة، ووفرت على نفسك هذه المعاناة الكبيرة، ودموع أصحابك، وأمك وهي واقفة على حافة السرير تناجي الله أن تعود؟! .. ياه يا صديقي، لقد فاتتك أيام جميلة هنا، الجنة حلوة، وفيها الكثير من المشاهد التي تستحق التصوير .. صحيح: هل أحضرت معك الكاميرا، فكاميرتي قد تهشمت عندما أُصبت بالرصاص، ولم أستطع إحضارها، شعرت ببقاياها على صدري عندما حملني الأصدقاء في الزفة الأخيرة، وتابعت جنازتك ولم توضع الكاميرا على نعشك، يبدو أنك أحضرتها معك، يا لك من رائع.
لم يتحدث الشهيد #أحمد_أبو_حسين، ظل في صمت مطبق، فأصيب صديقه الشهيد #ياسر_مرتجى بالحيرة وقال: خلص بلاها الكاميرا، أصلا أجمل المشاهد تلك التي نشاهدها ونحن بلا كاميرا فنوثقها في العقل والقلب .. قلي كيف البلد من وراك؟!
وقتها أطلق أحمد بسمة حلوة وراح يقول: على فكرة .. أنا محظوظ أكثر منك، لقد رأيت بلادنا التي كنا نقف على حدودها في مسيرات العودة، ونأخذ لها صورًا من بعيد، رأيتها يا ياسر، رأيت شوارعها، وأزقتها، وأهلها الطيبين، لقد تحقق المستحيل يا ياسر، لقد أُصبت في غزة ، ولفظت أنفاسي الأخيرة داخل أرضنا المحتلة - قالها وهو يملأ صدره بنفس عميق كأنه يسترجع تلك الرائحة - لقد مارست حق العودة بشكل حقيقي يا صديقي، ها أنا الآن العائد من كل الأشياء .. أُصِبت في غزة، واستشهدت في أرضنا المحتلة، وها أنا أجلس معك في الجنّة .. ها يا حلو قلي عاد مين فينا اللي حظه أحلى من الثاني؟!
إلا صحيح يا ياسر قبل ما تقلي مين فينا إللي حظه أحلى، قلي: إنتا شو عملت خليت كل الناس تحبك لهدرجة، يا راجل أنا كنت قاعد بستنا يدفنوني عشان أجي وأسألك هالسؤال؟!
- ولا حاجة يا صاحبي: فقط كُنت إنسان.