قال عضو اللجنة المركزية لحركة فتح السيد عزام الأحمد إن قطع رواتب موظفي قطاع غزة كان نتيجة لخلل فني كما أعلن وزير المالية، وأكد ذلك السيد عباس زكي في تصريحٍ له نقلاً عن وزارة المالية مُضيفاً أنه لم يصدر أي قرار بشأن قطع رواتب موظفي السلطة بقطاع غزة، وأن عدم صرفها أسوةً بموظفي الضفة ناتج عن خلل فني سيتم حله خلال الأيام القادمة. هذا الكلام بعد صرف رواتب موظفي السلطة في الضفة، والأيام القادمة جاءت ولم تُحل إشكالية الخلل الفني وعاد الموظفون المنتظرون على بوابات البنوك إلى بيوتهم بخُفي حُنَين وجيوبهم فارغة إلاّ من الخيبة واليأس والقنوط؛ مما يوحي بأن قطع الرواتب غير ناتج عن خلل فني بل عن خلل وطني وأخلاقي.
الذي ينفي فرضية الخلل الفني ويؤكد فرضية الخلل الوطني والأخلاقي أن الرواتب لم تُصرف حتى كتابة هذا المقال، وأن قطع الرواتب يسير في السياق العام لفرض الإجراءات العقابية التصاعدية وفق سياسة السلطة التي بدأتها منذ مارس 2017 بخصم نسبة كبيرة من الرواتب وتقليص كمية الكهرباء وغيرها من إجراءات، كما أنها جاءت بعد تهديدات الرئيس محمود عباس برفع يده عن كامل المسؤوليات والالتزامات تجاه قطاع غزة بخطوات عملية غير مسبوقة إذا لم تُسلم حماس قطاع غزة من الألف إلى الياء بما فيها الوزارات والدوائر والأمن والسلاح وفق مبدأ "يا بتشيلو يا بنشيل" أو "بنتهم عندهم وابني عندي". وهو ينسجم مع الخبر الذي نُشر في موقع (دنيا الوطن) الالكتروني نقلاً عن مصادر مُطلعة في السلطة قبل صرف رواتب موظفي الضفة فحواه أن عزام الأحمد طالب بضرورة قطع رواتب موظفي غزة من أجل زيادة الضغط على حركة حماس لتستجيب لشروط السلطة.
فرض الإجراءات العقابية كما يسميها أهل غزة أو إجراءات إنهاء الانقسام كما يُسميها أهل السلطة تُخالف البند السادس من اتفاقية أوسلو الذي ينص على "نقل السلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية وإدارتها المدنية إلى الفلسطينيين المخوّلين بهذه المهمة" أي السلطة الوطنية الفلسطينية التي أنشأتها منظمة التحرير الفلسطينية لتُدير شؤون السكان الفلسطينيين في الضفة والقطاع تحت الاحتلال كمرحلة انتقالية للدولة المستقلة استمرت ربع قرن ولا زالت مستمرة وفق شرعية أوسلو قانونياً وشرعية المنظمة سياسياً، والذي حدث في انتخابات 2006 للمجلس التشريعي أن حركة حماس دخلت وفازت في انتخابات وفق هاتين الشرعيتين وهي ليست شريكة في أيٍ منهما؛ بل وتبني مواقف فكرية وسياسية مناقضة لمشروع أوسلو السياسي فكان مأزقها الذي قادها مع الكل الفلسطيني إلى مأزق الانقسام الذي عمّق بدوره مأزق أوسلو؛ ورغم ذلك فإن السلطة لم تتخلَ عن مسؤوليتها تجاه غزة وبالتحديد عن موظفيها في غزة سواء من بقوا منهم على رأس عملهم أو من تركوا أماكن عملهم باعتبارهم غير مسئولين عن الانقسام وعدم تحملهم لتبعاته وبالتالي عدم معاقبتهم عليه، ولكن واضح أن هذه الرؤية قد تغيرّت منذ أكثر من عام بعد معاقبة الموظفين ومعهم كل الشعب الفلسطيني في قطاع غزة كوسيلة للضغط على حماس.
استخدام العقوبات وآخرها قطع رواتب الموظفين في قطاع غزة كوسيلة ضغط على الناس في غزة ليضغطوا بدورهم على حركة حماس التي تُمسك بمقاليد السلطة في غزة أو ينفجروا في وجهها للتسليم بشروط السلطة خلل وطني قائم على فرضية خاطئة تسعى لتوجيه غضب الناس إلى سلطة غزة بدلاً من دولة الاحتلال التي تقهرنا جميعاً، وللأسف فهي نفس الفرضية التي تُمارسها دولة الاحتلال في محاصرة غزة للتأثير سلبياً على صمود الشعب الفلسطيني في قطاع غزة باعتباره الحاضنة الشعبية للمقاومة. كما أن استخدام العقوبات كوسيلة لإنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية ليس هو المدخل الصحيح لذلك، فالطريق الأفضل هو الحوار الوطني على أرضية اتفاقية المصالحة الموّقعة في أكتوبر 2017 القائمة على مبدأ الشراكة الوطنية وتغليب المصلحة العامة كما جاء في مقدمة الاتفاقية، والمستندة بدورها إلى اتفاقية القاهرة لعام 2011 ووثيقة القاهرة 2009 إضافة لاتفاقية الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير 2005 وغيرها وجميعها قائمة على مبدأ الشراكة السياسية والمسؤولية الوطنية في كل الملفات المتعلقة بالسلطة والمنظمة.
فرض العقوبات على غزة من السلطة ليس فقط خللا وطنياً ؛ بل خللا أخلاقياً أيضاً باعتباره يستخدم مبدأ غير أخلاقي في السياسة، يعتبر الوسيلة مُبرراً للغاية، فالوصول إلى إنهاء الانقسام وتحقيق الوحدة الوطنية غاية أخلاقية ووطنية نبيلة، ولكن استخدام وسيلة العقوبات الجماعية ضد مليونين من الشعب الفلسطيني كُتب عليهم الشقاء في غزة وسيلة غير نبيلة كونها تُعمّق مأساة أهل غزة وتُمعن في إذلالهم وتزيدهم فقراً وبؤساً بعد أن أنهكهم الاحتلال والحصار والانقسام، وحتى لو تحقق هدف إنهاء الانقسام بفعل هذه العقوبات بعد حينٍ من الزمن وإلى أن نصل إلى هذه المرحلة فسيكون جيلٌ بأكمله قد ضاع بين مطرقةِ الحصار وسندان الانقسام، وستكون الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والنفسية والأخلاقية قد وصلت مرحلة لا يمكن تعويضها.
في الختام أرجو أن تكون فرضية الخلل الفني في عدم صرف رواتب موظفي غزة فرضية صادقة لتنفي فرضية الخلل الوطني والأخلاقي، وأن يمتد إصلاح الخلل الفني إلى إصلاح الخلل الوطني الذي يُعيق مسيرة العودة والتحرير والاستقلال، فينتهي الانقسام وتتحقق الشراكة السياسية والوطنية والانطلاق من أرضية حركة التحرر الوطني والثوابت الوطنية الفلسطينية.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية