كَتب فخرُ علماءِ العرب، ورائد علم الأنثروبولوجيا، عبد الرحمن بن خُلدون، كتابَه المشهور، «ديوان المبتدأ والخبر في أحوال العرب والعجم والبربر، ومَن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر»  هذا الكتاب ذو العنوان الطويل، اشتُهرتْ فيه مُقدمتُهُ، لما تحويه من إبداعات فكرية خالدة، تصلُح لكلِ زمان ومكان.
 كتَبَ في المقدمة عن أطوار الدول في العالم، فقال:
«تمرُّ الدولُ بالأطوار التالية:
طور الاستيلاء على الحكم، وانتزاعه من الدولة السالفة، أمَّا الطور الثاني فهو طور الاستبداد، واصطناع الموالي والرجال، لغرض (جدع) أنوف أهلِ عُصبته، ممن شاركوه في الاستيلاء على الحكم، والثالث، طورُ الفراغ والدّعة، وتحصيل ثمرات المُلك، تحصيل المال، وتخليد الآثار، حيث يُركِّز الوالي على جباية المال، وتشييد المباني، هذا الطور هو آخر أطوار قوة الدولة.
أما الطورُ الرابع، فهو طور المسالمة، والقنوع، حيثُ يحذو الوالي حَذوَ مَن سبقوه، حذو النعلِ بالنعل.
أما الطورُ الخامسُ، هو طورُ الإسرافِ والتبذير، حيث يُتلفُ الوالي ما جمَعَهُ سابقوه، في سبيل الشهوات والملاذ، ويعمدُ إلى اصطناع إخوة السوء، وخضراء الدَّمِن. (أي، المخادعون الغشَّاشون).
في هذا الطور تبدأ حالةُ الهَرم، والعجز، والانهيار في الدولة، ويستولي عليها المرضُ المُزمن، ولا يكون لها معه برءٌ إلى أن تنقرض.» انتهى الاقتباس من المقدمة.
عذرا، ابنُ خلدون، لقد تجاوز أحفادُكَ هذه الأطوار، واصلوا مسيرة الهَرم والمرض، بعد الانهيار والانقراض الذي أشرتَ إليه،
أيها المفكرُ الكبير، يا مَن تتلمذ على يديك مفكرو العالم، الأنثروبولوجيون، والجغرافيون، أضف إلى نتائج أبحاثك عن أعراض سقوط وانهيار الدول، أطوارا أخرى،
مثلُ  طور رَهْن الدول، فقد أصبحتْ دولٌ عديدة عقاراتٍ مرهونةٍ في بورصات، وصناديق المال في الدول الأجنبية، وصارتْ الشعوبُ كذلك رهائنَ في أوطانها، افتنَّ كثيرٌ من الحكام، في تصميم قوانين جائرة، لا تنطبقُ إلا على الضعفاء والمقهورين.
 ما أكثرَ الدولَ التي رهنتْ شعوبَها، وثرواتِها، عند أباطرة المال في الدول الكبيرة! لغرض إدامة حكم وُلاتها، فقد حوَّل الولاةُ، والسلاطينُ، والحكامُ، دُوَلَهم إلى وسطاءَ، ومندوبي إعلانات لمنظمة التجارة العالمية، وأصبحتْ دولٌ كثيرة تعمل بنظام السُّخرة، والعبودية، في بلاط هذه المنظمة الإمبريالية،
كما أنَّ بعضَ ولاة الدول لم يكتفوا بذلك، بل أصبحوا يتنافسون على استرضاء (الأجنبي)، يفخرون بأنَّهم يشترون السلاح منهم، ليَحموا ملكَهم، وعروشَهم، ويشترون أقواتهم من إنتاج غيرهم، ليُعززوا فقر أهلهم، حتى ينشغلوا بأنفسهم عن منافسة الحاكم والوالي!
لم تعشْ –سيدي- لترى أسوأ كارثة حلَّتْ بنا؛ فقد أصبحتْ دولٌ كثيرةٌ تستجدي الدولَ الكبرى لكي تُؤسس فوق أرض بلادها القواعدَ العسكرية الأجنبية، لم يفعلوا ذلك سِرَّا، بل صاروا يعتزُّون، ويفتخرون بوجودها فوقَ أرضهم، لأنها تُديم بقاءهم، وتُعزز ثرواتهم!!
سيدي ابن خلدون، أنا متأكِّدٌ بأنكَ، كنتَ ستُضيف إلى نظريتكَ فصلا جديد، لو عشتَ بيننا!! وهو:
« آليات تحويل الدول إلى كيانات وظيفية، أي، مقاولين مِن الباطن، يُنفذون مشاريعَ الدول المهيمنة، فما أكثر قادة الدول الذين تحوَّلوا إلى شرطةٍ للقوي، يُنفذون أوامره.
وما أكثرَ الذينَ  باعوا ثرواتِ بلادهم للقوي بأرقامٍ في بطاقة، الفيزا كارت، الخاصة بهم، بشرط أن تظلَّ أموالُهم في خزائن الأجنبي، يُنفقونها في بلاد الآخرين، على الرغم من جوع أهلهم وذويهم!
  لم تعشْ، سيدي، لترى حدود بلاد العرب كيفَ أصبحتْ محظورا دخولُها لحاملي أختام، قحطان، وغسان، وعدنان، مفتوحة فقط، لدايانا، ومارغريت، وجان!
سيدي ابن خلدون، لم تَعشْ لترى حلم شباب العرب الأكثر شهرةً، أن يستبدل الشابُ العربيُ هُويَّته القحطانية، بهوية أجنبية، يفخر بحملها!!

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد