ربما لم يكن استهداف قوات الاحتلال للصحافيين الذين يقومون بتغطية مسيرة العودة جديداً، إذ أن اسرائيل لم تتوقف يوماً عن استهداف الصحافيين خلال كل مراحل قمعها واحتلالها للشعب الفلسطيني، وشهدت السنوات الأخيرة تصاعداً واضحاً في ذلك لم ينجُ منه حتى الصحافيين والمراسلين الأجانب ،حيث أعملت اداة القتل الإسرائيلية أنيابها في أجساد مراسلي ومصوري وكالات الإعلام الأجنبية مثلما حدث مع الصحافي البريطاني جيمس ميلر خلال الانتفاضة الثانية والصحافي الإيطالي الذي اغتاله الصاروخ الإسرائيلي مع مواطنين فلسطينيين عزل خلال عدوان إسرائيل على غزة في العام 2014.  استهداف وراء استهداف وإمعان في التضييق على الصحافيين والعاملين في قطاع الإعلام.


هذا ليس بالجديد، فإسرائيل لم تتوقف عن اغتيال أصحاب القلم وسادة الكلمة يوماً منذ فجر صراعها مع الشعب الفلسطيني وواصلت اغتيالهم طوال السنوات الماضية. إسرائيل تخشى الحقيقة لذا فهي تغتال كل من ينشر الحقيقة. في السابق اغتالت كاتب فلسطين الكبير غسان كنفاني. لم تأخذها شفقة ولا رحمة حين فجرت السيارة به وبابنة اخته. اغتيال غسان الثائر صاحب القلم الحر والكلمة المؤثرة هدف إلى التخلص من روح الثورة التي تبثها كلمات غسان كنفاني الذي قال :لا تمت قبل أن تكون نداً، وقال إن "الإنسان قضية". روايات غسان التي وصفت الواقع الفلسطيني وخلدت الألم الفلسطيني الذي على الفلسطينيين أن يتذكروه دوماً حتى يواصلوا مسيرهم ونضالهم للعودة إلى "أرض البرتقال الحزين". 


ولم يكن اغتيال ماجد أبو شرار ببعيد عن هذا. ماجد الكلمة الثائرة والقلم المقاتل والفدائي في أرض المعركة متناغماً مع الفدائي خلف طاولة الكتابة. كان ماجد حالة فريدة لكنها متناغمة مع السياق الثوري العام. لم يكن خبزنا مراً فقط، بل كان يثير فينا كل قوى الثورة في وجه الجبروت والقهر المفروض علينا. ماجد المختلف المتفق، المثقف العضوى الحقيقي والمشتبك بكل ما في المعنى من اكتمال الثورة. كان اغتيال ماجد اغتيال لتلك الفعالية الثورية الخالصة التي جسدت تكامل القلم مع البندقية، وبالتالي التعبير الحقيقي عما يجري في الميدان. مرة أخرى الكلمة تكون عدواً يجب ازاحته من الطريق.


الكلمة التي تخاف منها إسرائيل، تخاف من قوتها وسطوتها ومقدرتها على نقل ما يجري. ليست الكلمة فقط قصيدة محمود درويش ولا معين بسيسو ولا سميح القاسم ولا أحمد دحبور ولا رواية غسان كنفاني ولا قصص ماجد أبو شرار، بل أيضاً ريشة الفنان ورسومات ناجي العلي ولوحات إسماعيل شموط وفتحي غبن وأغاني العاشقين والفنون وصابرين. إسرائيل تخشى الكلمة حين تقاتل، تخشى الاغنية حين تتردد في الحناجر، تهاب ما تثيره اللوحة من مشاعر وشجون، ترتعب من قوة التأثير المهولة للحكاية حين يتم استعادتها ونقلها حتى يكتمل فعل الثورة والانتفاضة. إنها البيان الذي ينجح في إثارة كل المشاعر في سبيل الوصول إلى تطابق الحلم مع اللحظة المنشودة. 


إسرائيل تخشى الصورة التي تنقل الحقيقة. هل تذكرون قوة صورة الطفل محمد الدرة وهو يحتمي مع القناصة خلف والده الذي يبدو عاجزاً مقهوراً لا يستطيع حمايته. الصورة الأشهر في الانتفاضة الثانية. أيضاً صورة الجنود الإسرائيليين وهم يحاولون دفن الشبان الفلسطينيين أحياء في نابلس وهم يضربون رؤوسهم بالصخور. صور كثيرة لم يكن يمكن تخيل مدى انتشار النقد الدولي لقمع إسرائيل للفلسطينيين دون الإتيان على قوة تأثيرها. لذلك إسرائيل ترتعب من الصورة. تعرف ما يمكن أن تفعله. كيف تغير في وعي الناس. وكيف تؤثر على سلوكهم. والأهم أن الصورة هي إدانة بالأصابع العشرة لجرائم إسرائيل.


لذلك تغتال إسرائيل الكلمة وتغتال الصورة. تغتال الكاتب والرسام والصحافي. تغتال المغني والشاعر.  نسق كبير من الإجرام يجب تغطيته وعدم فضحه. وهذا لا يتم دون أن يتم قتل كل من يقوم بفضحه. اطلاق النار النار المتعمد على الصحافيين خلال تغطيتهم لمسيرات العودة شرق قطاع غزة يهدف إلى حجب الصورة ومنعها من الانتشار إعاقة وصولها إلى العالم. المصور والصحافي لا يقل خطورة عن المقاتل الذي يتحمل مخاطر المعركة. ليس هذا فحسب بل إن إسرائيل تمنع وصول أدوات السلامة المهنية مثل الدروع الحامية للصحافيين وبالتالي تمعن في تعريض حياتهم للخطر من خلال الإصرار على جعلهم عزل لا يحميهم شيء. بالطبع بجانب كل التضيقات على حرية حركة الصحافيين وممارستهم لمهنتهم، واعتقال بعضهم في الضفة الغربية وعلى الحواجز.


هل يقول لنا هذا شيئاً عن أهمية الكلمة والصورة والإعلام في إنجاح مسيرات العودة. يقول الكثير الذي يجب الاستماع له من اجل ضمان تقديم ما يجري بصورة صحيحة. إن إدراك اهمية الإعلام يتطلب تنظيمه بشكل اكبر فعالية، وتقديم الخبر الذي يخدم الرسالة الكبرى لمسيرة العودة، والتاكيد بشكل متواصل على سلمية هذه المسيرة وضرورة عدم حرفها عن هذا المسار وعدم الإنجرار للدعاية المضادة التي تهدف إلى استفزاز المشاركين من اجل القيام بأفعال  عنيفة تجرد المسيرة من خاصيتها الأساسية. من المؤكد أن كل ذلك يجب أن يكون ضمن رؤية متكاملة ونشطة ومتحركة خاصة في مخاطبة الرأي العام العالمي والإعلام الدولي وانتقاء الكلمات المناسبة والتعابير التي تنفذ إلى العقل والرؤية الاوروبية. إن وصول الكلمة يتطلب أن تكون الكلمة المناسبة والرسالة الواضحة حتى تعجز إسرائيل عن اغتيال الكلمة وتفشل في إيقاف المسيرة، وحتى تحقق المسيرة غايتها.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد