الزيارة التي قام بها وزير خارجية المملكة المغربية الشقيقة لفلسطين زيارة مهمة، تحمل في طياتها الكثير من الدعم والإسناد من جانب المغرب لفلسطين وقضيتها وعاصمتها القدس .
الرسالة القوية التي حملتها هذه الرسالة هي أن المغرب، ملكاً وحكومةً وشعباً، وفي اللحظة المناسبة وفي مفصل سياسي كبير يعرفون كيف يوجهون رسالتهم، ويتقنون اختيار التوقيت، ويستخدمون بكل براعة الرمزيات المطلوبة التي تعكس عمق وأصالة هذا التوجه.
لم يعرف منذ سنوات طويلة عن المغرب الشقيق سياسة تعتمد الخطابة السياسية والشعاراتية بقدر ما عرف عنها من سياسة هادئة، متزنة تعتمد الأفعال المؤثرة، وتنحو دائماً نحو الفعالية والإنجاز.
في هذا المفصل، الذي يعتبر بكل المقاييس، بل ويصنف كواقع مأزوم ومتأزم، وأشبه بالمختنق السياسي والانسداد، وفي مرحلة تبدو فيها القضية الفلسطينية وكأنها مكشوفة أمام هجوم كاسح، أميركياً وإسرائيلياً، مستغلاً ومستثمراً لحالة هوان عربي غير مسبوق، اختار الوزير المغربي، أن يبدأ زيارته من القدس، ومن زيارة الأقصى، وموجهاً نحو أوسع اهتمام بالقدس والمقدسيين، وهذه الرسالة بالذات تدعونا نحن الفلسطينيين إلى الامتنان وتبعث فينا مشاعر الإخوة والفخر والاعتزاز.
نحن بحاجة إلى هذه المشاعر لما لها من أهمية في تعزيز الصمود والثقة بالنفس لمواجهة قادم الأيام.
المغرب الذي يترأس لجنة القدس ويعمل على دعم القدس والمقدسيين دون ضجيج أو استثمار إعلامي، ودون تردد، وبكل ما هو متاح، يدرك بحسّه السياسي العميق، وحنكة قيادته، أن دعم الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة بالذات، والتعبير عن هذا الدعم في هذه المرحلة بالذات، هو أكثر ما تحتاجه فلسطين، رئيساً وقيادةً وشعباً ومؤسسات.
وبهذا المعنى بالذات، فإن الوزن النوعي لهذه الزيارة يساوي الكثير ويعكس الكثير ويؤسس لما هو أكبر وأكثر من المرئي.
المقدسيون ينتظرون انطلاق فعاليات المركز الثقافي المغربي في المدينة، والفلسطينيون ينتظرون أن تتحول «لجنة القدس» التي يترأسها المغرب الشقيق إلى مؤسسة فاعلة مشرفة وموجهة للدعم المطلوب للقدس والمقدسيين والمقدسات.
الكثيرون في العالم العربي وربما الإسلامي كله لا يعرفون حق المعرفة المكانة التي تحتلها القدس لدى المغاربة، ولا هذا الارتباط الفريد من نوعه الذي يربطهم بالمدينة المقدسة، ولا بفلسطين وشعبها.
وقد لا يدرك الكثيرون منّا، نحن أصحاب القضية، المحبة والتقدير الذي نحتله في قلوب المغاربة، دون استثناء وبصورة شاملة وطاغية وملموسة في كل بقعة من التراب الوطني المغربي.
كتبت أكثر من مرّة ولا أَمَلُّ من تكرار ما كتبت، أن لدى المغاربة ثلاثة مفاصل أساسية تشكل في مجملها الإجماع الوطني المغربي.
الإجماع الأول، حبهم وثقتهم بمليكهم، وتوافقهم التام والكامل على الأسرة الملكية ودورها.
هذا الإجماع نابع من الدور التاريخي الذي لعبته الأسرة العلوية في توطيد أركان الدولة وحماية ترابها الوطني، وفي المسؤولية الوطنية التي تحلت بها هذه الأسرة حيال الدولة والمجتمع في المغرب. وهم (أي المغاربة) يدركون إلى أبعد الحدود استمرار هذا النهج بل ويلمسون التعزيز الدائم لهذا الدور وهذه المسؤولية وهو الأمر الذي يكرس هذا الإجماع ويوطده دائماً.
أمّا الإجماع الثاني، فهو التوافق التام والاتفاق المطلق على وحدة التراب الوطني المغربي واعتبار الصحراء المغربية بكل حبة تراب فيها وحدة مقدسة لا تخضع لأي مناورات أو مساومات أو أنصاف أو أرباع حلول. وليس صدفةً أبداً، ولم يكن من قبيل الواجب العام فقط أن يبادر الملك المغربي الحسن الثاني ـ طيّب الله ثراه ـ ويقود بنفسه المسيرة الخضراء، تماماً كما أنه ليس بالصدفة أبداً أن يوجه الملك محمد السادس نحو أعلى درجة ممكنة من التنمية لكامل الإقليم الصحراوي، وبناء أضخم المشاريع فيها.
وأمّا الإجماع الثالث، فهو فلسطين، أرضاً وشعباً وتاريخاً وثقافةً، إضافةً إلى نضال هذا الشعب وبطولاته وإعجازاته على مدى أكثر من قرن متواصل في الكفاح الوطني.
وبالمقابل، فإن فلسطين تعوّل على المغرب وتتوقّع منه دائماً استثمار دوره المحوري في أفريقيا، ومكانته المتصاعدة على المستوى الإقليمي والدولي دعماً وإسناداً لحقوق شعبنا الوطنية وقضيته العادلة.
وشتّان بين زيارات عابرة ومجاملات سياسية عامة وتقليدية، وما بين زيارة مدروسة، ذكية وغنية بالمعاني والأهداف المباشرة والبعيدة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية