لم تتوقف الإدارة الأميركية التي يقودها، رئيس متهور وقليل التجربة، عن إجراء تغييرات على الطاقم الأساسي الذي اختاره بعد انتخابه لكي يساعده في إدارة البلاد. على أن معظم المسؤولين عن المراكز الأساسية في الإدارة قدموا استقالاتهم الواحد تلو الآخر، كل لأسباب، لكن القاسم المشترك بين الجميع هو عدم الرضا عن الرئيس وإدارته. آخر هؤلاء الذين لجأ إليهم ترامب لكي يكمل طاقمه المتجانس، جون بولتون، الممثل السابق للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، في موقع ذي أهمية استراتيجية. حيث سيكون مسؤولاً عن الأمن القومي، فيما يحتل سابقه في الموقع مركز وزير الخارجية بديلاً عن تيلرسون. أبسط مظاهر الإدارة، أنها متحركة ومتبدلة وبسرعة، بما يشبه مزاج الرئيس الذي يبدع في اختيار وخلق المزيد من العداوات والتناقضات لبلاده.
بولتون معروف بتطرفه الشديد، خصوصاً فيما يتعلق بدعم السياسة الإسرائيلية وإظهار أقصى العداء للسياسة الفلسطينية ومن يناصرها، حتى وهو يعمل تحت إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، الذي لم ترضَ إسرائيل عن سياساته ومواقفه رغم أنه عجز هو الآخر عن تحقيق التسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولكن لا أجد سبباً واحداً، لإبداء بعض المسؤولين الفلسطينيين انزعاجهم من تعيين بولتون، ولا سبباً واحداً وجيهاً لكي تبدي إسرائيل فرحتها، حيث لا يشكل هذا التعيين تغييراً في السياسة التي يديرها ترامب.
حين يكون، ديفيد فريدمان أول بشائر الإدارة الترامبية وهو مستوطن، فإن ما تبقى من تعيينات لمسؤولين آخرين، لا يشكل فرقاً. والسؤال هو أين يمكن أن نجد لدى الولايات المتحدة، سياسياً واحداً متنفذاً، ليس مصاباً بمرض التطرف ومعاداة الفلسطينيين؟ المندوبة الأميركية في الأمم المتحدة نيكي هايلي شمّرت عن ذراعها، منذ اليوم الأول لدخولها حقل العمل، لكي تعاقب المنظمة الدولية التي تتهمها بمعاداة إسرائيل، والانحياز للفلسطينيين. ولا يحتاج المرء للبحث والفحص في الأسماء الأخرى التي يشكل اليهود المتطرفون أغلبيتهم الساحقة في مواقع المسؤولية الأولى في الإدارة الأميركية، خصوصاً الفريق المكلف بإدارة السياسة الشرق أوسطية، ومنها ما يتعلق بإسرائيل وفلسطين.
إذا كانت هذه هي طبيعة الإدارة التي يقودها ترامب فهل سنجد المرونة لدى المؤسسة التشريعية، التي اتخذت قراراً بإقفال مكتب منظمة التحرير، ولا تزال تعتبرها منظمة إرهابية، وشجعت ترامب بقوة على اتخاذ قراره بشأن القدس ونقل السفارة الأميركية إليها؟ هل سنجد أية مرونة يمكن المراهنة عليها في الكونغرس الأميركي، الذي اتخذ قراراً بحجب أموال الدعم للموازنة الفلسطينية بسبب استمرار السلطة في صرف مستحقات أهالي الشهداء والجرحى والأسرى، بعد أن دعمت بقوة قرار الإدارة، بوقف الحصة التمويلية للوكالة الدولية لإغاثة وتشغيل اللاجئين " الأونروا
لا يحق لفلسطيني أن ينزعج من تعيين بولتون إلاّ إذا كان يراهن على تغيير إيجابي لن يحصل في سياسة الولايات المتحدة، إذ إن هذا الإنسان الذي يفتقد الحس الإنساني لا يؤخّر ولا يقدّم، في فهم السياسة الأميركية.
لقد قطعت إدارة الرئيس ترامب، علاقاتها بسابق السياسات التي اعتمدتها الإدارات التي سبقتها، وكأنه يعاقب هؤلاء، غير أن الحقيقة أن ترامب يعيد صياغة السياسة الأميركية الخارجية بما يتناسب مع طبيعتها العدوانية، وأنانيتها في البحث عن مصالحها حتى لو كانت على حساب حلفائها التاريخيين ما عدا إسرائيل.
الفلسطينيون والعرب هم الذين تأخروا، وبعضهم لم يكتشف بعد أن الولايات المتحدة لا يمكن أن تكون دولة عدل وحقوق إنسان، أو أنها يمكن أن تناصر أحداً أو قضية، طالما لا تجد لها مصلحة في ذلك. ربما على الفلسطينيين أن يستعيدوا ثقافة الخمسينيات من القرن الماضي، حين كانوا يصنفون أعداءهم بطريقة صحيحة، على أنهم الإمبريالية والصهيونية والرجعية العربية. لا يحتاج المرء إلى القيام بدراسات وأبحاث والحصول على معلومات للتأكد من أن الولايات المتحدة، دولة معادية للشعب الفلسطيني وحقوقه، وأنها منذ ولاية ترامب، خصوصاً تسعى لتصفية حقوق الشعب الفلسطيني التي أقرتها الأمم المتحدة، وهي جزء من الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
ما يجري اليوم يؤكد أن هذه الإدارة تتطابق تماماً في سياساتها ومخططاتها ومواقفها وتحركاتها مع السياسة والمخططات والأهداف الإسرائيلية، وأنها تسعى فعلياً لشطب حقوق الفلسطينيين، وفرض مخططاتها التصفوية عليهم بالقوة. 
في هذا المقام أدعو لعدم الانسياق وراء تعبير أصبح دارجاً من أن الولايات المتحدة تسعى لتصفية القضية الفلسطينية، ذلك أن تحقيق هذا الأمر أقرب إلى المستحيل إذ لا يمكن للكون كله أن ينجح في تصفية القضية الفلسطينية لأن عليه أولاً، أن ينجح في تصفية الشعب الفلسطيني، وهو أمر مستحيل.
معالم صفقة القرن أصبحت أكثر من واضحة في عدة مفاصل تتعلق بالحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني من موضوع القدس إلى اللاجئين إلى الأرض، إلى الدولة والأمن، وما بين هذه وتلك من الحقوق ما تبقى من حقوق. 
ما يثير الاستغراب حقاً هو أن الولايات المتحدة غيرت سياساتها تجاه الحقوق الفلسطينية لصالح إسرائيل، ولكن الفلسطينيين لم يغيروا من طريقة وأدوات تصديهم لهذه السياسة. لا يمكن أن يكون مجرد إصدار المواقف الصحيحة تجاه الولايات المتحدة، كافياً للتصدي لتلك السياسة، ذلك أن أهم ما يمكن الحديث عنه في إطار المجابهة هو استعادة الوحدة الوطنية، ما لا يزال الفلسطينيون عاجزين عن تحقيقه، وهو ما يلقي بعلامة استفهام حول جدية خطاب المواجهة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد