بعد ستة أشهر منذ انطلقت المحاولة الأخيرة لتحقيق المصالحة، والأطراف كلها «تخض في قربة مقطوعة»، إذ بقيت الأمور تراوح في مكانها. إزاء ذلك ما كان ممكناً إلاّ ان تنفجر الأمور مرة أخرى، فإن لم يكن السبب العملية الفاشلة التي استهدفت موكب رئيس الحكومة فإنه سيكون هناك سبب آخر، من الواضح أن أزمة الثقة عميقة بين فتح و حماس ، بحيث يحتاج كل طرف من الطرف الآخر، ضمانات، من غير الممكن توفيرها، ولذلك فإن الحسابات الخاصة والمخاوف تتحكم في طبيعة الخطوات والقرارات المطلوبة لإنجاز المصالحة.
تدعي حركة حماس أنها قدمت كل شيء استجابة لشرط تمكين الحكومة وهي لا تكتفي باستعداد الحكومة لإدماج عشرين ألفاً من موظفيها، ولكنها كمن يسلم البيت ويحتفظ بغرفتين منه، الأمر الذي يجعل الحكومة تواصل الشكوى من أنها لم تتمكن حتى الآن من ممارسة صلاحياتها، كما تقوم بها في الضفة الغربية.
وفق ادعاءات الحكومة، احتفظت حركة حماس بملف الجباية الداخلية وملف الأمن، والقضاء والأراضي، فيما لم تنجح الوساطة المصرية الميدانية في إيجاد ما يلبي حاجة الحكومة، ويلبي مخاوف حركة حماس، وبصراحة فإن الظرف الذي تمر فيه القضية الفلسطينية عصيب وخطير، ولا يحتمل صرف واستنزاف المزيد من الوقت والجهد.
الشبهات تحوم حول الفصل من « صفقة القرن » الذي يتعلق بدولة غزة ، والتحضيرات للتحرك العملي نحو التصرف تحت عنوان إنقاذ غزة من الأزمة الإنسانية، قد قطعت شوطاً، ولذلك فإن المخاوف مشروعة، لا يبددها كثرة التصريحات الرافضة، الأمر الذي يحتاج إلى خطوات عملية ملموسة لتأكيد رفض كل الفلسطينيين لهذه الصفقة من ألفها إلى يائها.
كانت العملية الإجرامية الفاشلة التي استهدفت موكب رئيس الحكومة قد انفجرت في وجه المصالحة، لتقدم سبباً ملموساً مهما اختلفت أو اتفقت الآراء والمواقف بشأنه فإنه كافٍ لإعادة الأمور إلى مربع صفر.
الرئيس محمود عباس ، في خطابه أمام اجتماع القيادة الفلسطينية ظهّر ذلك الانفجار، وألقى بالتهمة والمسؤولية على حركة حماس، بدون انتظار نتائج التحقيق الذي تجريه الأجهزة الأمنية في غزة، وربما كان ذلك من واقع ما يملك من معلومات، لكن الخطاب لم يتوقف عند الجريمة فقط وإنما راجع كل مسيرة الإسلام السياسي في فلسطين ليعبر عن مدى عمق أزمة الثقة.
المصالحة توقفت، ولكن الوسيط المصري لم يتوقف، والحكومة الفلسطينية أبقت الباب موارباً حين عادت واشترطت تمكينها بالكامل، ما يعني أن ثمة فرصة ولو ضئيلة، ذلك أن الأمر لم يعد يحتمل فإما أن تحمل السلطة كامل المسؤولية، وإما أن تحملها حركة حماس كما قال الرئيس عباس، لا مجال إذن لمزيد من الحوارات، والوساطات والمناورات، واستنزاف المزيد من الوقت، فالسؤال عند حركة فتح، والجواب عند حركة حماس.
الكثير من المراقبين والصحافيين توقفوا عند اللغة التي استخدمها الرئيس محمود عباس في خطابه الحاد، ومنهم من يأخذ عليه أنه يفتقد إلى الدبلوماسية. بصراحة لا أرى غضاضة في استخدام هذه اللغة، التي وصف بها السفير الأميركي في إسرائيل ديفيد فريدمان بأنه «ابن كلب»، ولا حين وجه كلامه للرئيس ترامب بالقول «يخرب بيتك». إذا كانت الولايات المتحدة لا تتعامل مع الفلسطينيين على أنهم دولة، وأن منظمة التحرير مصنفة كجماعة ارهابية، وتصادر الحقوق الفلسطينية الواحد تلو الآخر لصالح إسرائيل، فإنها تستحق أن ترمى بكل الصفات، وبكل اللعنات. وفي الأصل نتساءل إن كان السفير فريدمان، يلتزم بأصول الدبلوماسية وهو يشجع الاستيطان ويسكن في مستوطنة، وباعتبارها شرعية من وجهة نظر إدارته. على أن خطاب الرئيس أثار أعصاب ومخاوف المواطنين في قطاع غزة، بشأن الإجراءات الوطنية والقانونية والمالية التي سيتخذها مرة أخرى تحت عنوان معاقبة حماس والضغط عليها.
الواقع في قطاع غزة لا يحتمل المزيد من الإجراءات والعقوبات التي قد يكون هدفها الضغط على حركة حماس ولكنها لا تترك زاوية في قطاع غزة بدون أن تتأثر سلبياً منها. غير أن مرور بضعة أيام على ذلك الخطاب، يوحي بأن ثمة تأخيرا متعمدا للإعلان عن طبيعة تلك الإجراءات، والقصد بها منح حركة حماس فرصة لمراجعة موقفها من المصالحة، ومنح فرصة للوسيط المصري للمحاولة.
من غير المفيد التساؤل حول الخيارات الممكنة لدى حركة حماس في حال بقي الوضع مأزوماً بينها وبين السلطة، إذ يكفي أن اللجنة التنفيذية تغذ الخطى نحو عقد المجلس الوطني الفلسطيني بصيغته القديمة. إذا انعقد المجلس في ظل استمرار الانقسام فإنه سيذهب في اتجاه تعميق الانقسام وإطالة عمره، لأن المجلس سيقرر رؤية سياسية جديدة، وقيادة جديدة، ويجدد الشرعيات، بعيداً عن القوى الأخرى، خصوصاً حماس والجهاد، وبدون إجراء انتخابات.
المجلس الوطني الذي يشكل أصل الشرعية لكل المؤسسة الفلسطينية سيوفر الإمكانية لاتخاذ قرارات بحل المجلس التشريعي، ونزع ما تبقى من شرعية لحركة حماس، ومن شأن ذلك أن يؤدي إلى إقصاء الحركات التي ترفض، أو يتم استبعادها من المشاركة في أعمال المجلس. الوقت إذن يمر كالسيف، فإما الاستفادة مما تبقى من وقت حتى الثلاثين من نيسان، وإما أن الأمور ستذهب نحو مزيد من التدهور والصراع والانقسام.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية