كثيرا ما نجد بعض الناس هائمين على وجوهم ، يسيرون في الحياة بدون تحقيق أي هدف ، يبحثون بشكل عشوائي عن معنى لحياتهم في هذا العالم القاسي، الذي لا يستطيع أن يعيش به سوى الأقوياء، هؤلاء اللذين لديهم القدرة على البقاء و الاستمرار في أصعب الظروف الاجتماعية و السياسية و الاقتصادية و البيئية.

فغالبا ما يكون البقاء للأقوى، و إن لم تكن ذئبا أكلتك الذئاب، هذا المثل الشائع الذي يلخص لغة القوة، و يُصور العالم كغابة موحشة، مليئة بالحيوانات المفترسة التي تعيش على فرائسها من الحيوانات الضعيفة.

و يشعر معظم البشر، بأن الحياة غير عادلة، و أن القوى يتحكم بالضعيف، الأمر الذي جعل عدد كبير من هؤلاء البشر ، يعتمدون منهج القوة و العنف كأسلوب حياة، و كأداة لتحقيق ذاتهم للوصول لأهدافهم الشخصية.

ومع الرغبة الشديدة لإثبات الذات وتحقيق الأهداف ، يميل عادةً الإنسان بطبعه للحفاظ على وجوده ، و استمرار حياته لأقصى حد ممكن.

حيث مازال الإنسان غير مقتنعا بفكرة الرحيل الأبدي ، و أن الموت هو النهاية الأخيرة لحياته ، فحسب الديانات السماوية الثلاث ، تبقى روح الإنسان خالدة حتى بعد فناء جسده.

لذا في رحلة الحياة هذه ، هناك من يقتنع بأن يلعب دورا متواضعا في الحياة، و أن يعيش حياة مسالمة ، و يموت بهدوء ، دون حدوث أية مشاهد موت دراماتيكية.

و هناك من يبحث عن معنى لحياته، بلعب دور البطل القاهر، الذي لا يُهزم، و الذي يتم الهتاف باسمه بكل فخر في معظم أحياء مدينته أو أزقة قريته الصغيرة.

من هنا يمكننا أن نجد الدافع الرئيسي لبعض الشباب العربي ، في ممارستهم للنشاط السياسي بكافة أنواعه ، سواء كان نشاط سياسيا سلميا، أو كان نشاط سياسيا عنيفا ، فكلٌ يبحث عن معنى لحياته حسب طبيعة فهمه لقواعد الحياة ، و حسب أسلوب تفكيره ، وبناءً على الأيدلوجية السياسية التي يتبناها.

ومن أقصر الطرق لدخول التاريخ في عالمنا العربي ، هو ممارسة السياسة ، و القيام بنشاط سياسي ملفت للنظر ، يُسلط الأضواء على هذا الناشط السياسي .

و يمكن تحقيق ذلك ، بأن يقوم مثلاً هذا الناشط السياسي بعمل قتالي ضد استعمار ما ، أو أن يشارك بمظاهرات و احتجاجات غاضبة ضد دولة ما، أو أن يُحرض على شخصيات قيادية في بلده عبر مواقع التواصل الاجتماعي .

فكل عمل سياسي ، يرمز لمعنى الحياة الذي يبحث عنه هذا الناشط السياسي.

حيث أن الحياة عند هذا السياسي الغاضب و الثائر ، تتمثل بالتضحية بكل شيء من أجل الانتقام ، و الثأر، و توكيد الذات، و الوصول إلي الصورة المثالية لمجتمعه ، حسب رؤيته لما يجب أن تكون الحياة في هذا المجتمع ، فهو لا يريد أن يكون عالمه ، عالم متخاذل و مستسلم و ضعيف ، والسلام بالنسبة إليه هو لغة الضعفاء و الخونة ، وما أُخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة.

أما الهدف السامي الذي يصبوا إليه هذا النوع من الناشطين السياسيين ، هو أن تلتحم روحه مع سحاب السماء ، و أن يصبح جثمانه بمثابة قربان للأرض، و للأيدلوجية السياسية و العقيدة الدينية التي يتبناهما ، و أيضا للحياة المثالية التي يتخيلها حسب أفكاره الخاصة، ومعايير الحزب السياسي الذي ينتمي إليه.

و يكمن معنى الحياة لهذا الناشط السياسي ، بأن الدنيا مجرد متاع مؤقت، و هي بمثابة جسر للآخرة ، لأن الحياة الدائمة هي في جنات الخلد.

لذا يعتبر هذا الناشط أن مفتاح الحياة الدنيا ، هو الجلد و الصبر على الشدائد ، و أنه يجب استخدام القوة لأبعد الحدود من أجل تلقين الأعداء، و المتخاذلين أقسى الدروس ، وتدفعيهم الثمن بكل الوسائل المتاحة.

وفي الوقت الذي فسر هذا الناشط السياسي، معنى الحياة حسب لغة القوة و الانتقام ، هناك ناشط سياسي آخر ، يبحث عن معنى الحياة عبر محاولة العيش في حياة شبه متوازنة برجماتية ، تجمع بين متاع الدنيا و الآخرة، وذلك من خلال تأجيل التفكير بحياة الآخرة ، لحين الوصول لمرحلة عمرية معينه ، يكون ضمنها قد حقق رغباته الدنيوية في الشهرة و النجاح و الثروة و المنصب السياسي الرفيع ، و في نفس الوقت خصص جزء من مراحل عمره المتأخرة للتوبة والعبادة .

فمعنى الحياة عند هذا السياسي، هو القدرة على النجاة في أحلك الظروف السياسية المتقلبة ، و الاستثمار في الوقت و العلاقات الإنسانية بأكبر قدر ممكن، حتى يأتي الوقت المناسب للانقضاض على خصمه السياسي ، و من ثم الحصول على المنصب الذي يتوق إليه بشدة.

و الحياة بالنسبة لهذا السياسي ، هي بمثابة مباراة كرة قدم يجب أن يفوز بها ، لذا يحاول هذا السياسي دوما أن يحيط نفسه بفريق قوي و ذو نفوذ ، يقدم له الدعم وقت المباراة السياسية ، وفي نفس الوقت يحاول هذا السياسي أن يحوز على إعجاب أكبر عدد ممكن من الجمهور الذي يشاهد ب حماس ة هذه المباراة الطاحنة .

إن معنى الحياة لهذا السياسي، يتمثل أيضاً بالفوز و النجاح المادي و الشهرة، بغض النظر عن الفراغ النفسي و العاطفي، الذي يشعر به بسبب تخلي عنه أقرب الناس إليه.

وبالاستمرار بالبحث عن معنى الحياة ، نلاحظ أن هناك ناشط سياسي من نوع آخر ، ألا وهو السياسي المثقف ، الذي يعتقد أن الحياة السياسية يجب أن تكون عادلة و فاضلة ، و تهدف إلي حماية مصالح المواطن و تحرير الوطن .

لذا يحاول هذا السياسي ، أن يستثمر وقته في الترويج لقضيته عبر المحافل الوطنية و الدولية ، و أن يبذل جهده في مناصرة حقوق شعبه، و لكنه في نهاية المطاف يكتشف أن هناك من باع الوطن، و أن الوطن ملئ بالفاسدين الذين يتاجرون بأرواح و دماء الشعب ، فيشعر بالإحباط و يفقد معنى الحياة الذي كان يبحث عنه، و يصل لقناعه بأن الحياة مجرد خدعه ، و أنه لا يوجد هدف يستحق الإنسان أن يعيش من أجله ، و ذلك بعد أن سقطت الأقنعة الزائفة عن وجوه المنافقين و المتاجرين بثروات الوطن.

لذا كل إنسان في هذه الدنيا ، يبحث عن معنى لحياته ، بطريقته و أسلوبه، و ليس بالضرورة أن يكون ناشطا سياسيا ، فهناك أشخاص عاديين يبحثون عن السعادة الشخصية، دون الاكتراث بأمور السياسة ، وهناك من يبحثون عن الحب و العائلة ، وهناك من يبحثون عن المال و النجاح المهني .

لكن السياسي، هو من أكثر الباحثين عن الذكرى الخالدة، و عن صفحات التاريخ التي ستدون اسمه بعد وفاته.

لذا هناك السياسي الذي يرغب بالموت ، في مشهد مسرحي دراماتيكي دامي، وسط تكبيرات و تهليل المشيعين .

وهناك السياسي الذي يرغب بالموت، وهو يخطب خطابه الأخير، في مشهد مسرحي صاخب يضخ بالكاميرات و الأضواء الساطعة، وسط صمت و تصفيق الجماهير.

فكل يرى الحياة و يبحث عن معناها، حسب الطريقة التي يريد أن يختم بها حياته...

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد