قبل أيام، قال مسؤول عربي سابق لمحطة فضائية: إن الخطر على الدول العربية يتمثل في إيران وليس في أي دولة أخرى. وعند سؤاله عن إسرائيل بصفتها المهدد الأساس للأمن القومي العربي قال: «لا، إسرائيل لا تمثل تهديداً حقيقياً».


أول من، أمس، وعلى برنامج إذاعي حول ارتفاع وتيرة زيارات العرب إلى إسرائيل، قال أحد المشاركين في هذه الزيارات: «أنا زرت إسرائيل وشاهدت الفلسطينيين هناك، وهم لا يهتمون بالصراع، ومندمجون مع إسرائيل في كل القضايا، أما الفلسطينيون في الضفة الغربية فهم يتعاملون مع إسرائيل في كل شيء حتى النقود التي يستخدمونها نقود إسرائيلية، وهم يدخلون إسرائيل كل يوم، ويتعاملون مع اليهود هناك. لماذا تتهموننا ولا تتهمون الفلسطينيين أنفسهم؟». 


قد تبدو هذه الآراء شاذة ولأشخاص يلهثون وراء مصالحهم، ليس إلا. فمن يعتقد أن الشعب الفلسطيني باستخدامه العملة الإسرائيلية يعتبر مطبعاً، فهو أكثر من غبي وجاهل لأنه غير قادر على فهم معنى الاحتلال وسيطرته وعدوانه على الشعب المحتل!


في المقابل، هناك منظمات تدعو لمقاطعة الاحتلال، وعلى رأسها (BDS)، والتي تراكم إنجازات كبيرة في كثير من الدول، وخاصة الأوروبية منها، حتى وصل الأمر إلى أن تشعر إسرائيل بالخطر من تنامي مقاطعتها أكاديمياً على وجه الخصوص من عشرات آلاف المثقفين في الدول الغربية، ومن الدعوات إلى مقاطعة شركات كبرى تعمل بشكل خاص في المستوطنات.. حتى أن بعض هذه الشركات تراجعت عن العمل في المستوطنات في اللحظات الأخيرة.


من الواضح أن هناك تصادماً وصراعاً حقيقياً بين المطبعين والمقاطعين على أساس أن الفئة الأولى لم تعد تنظر إلى الاحتلال الإسرائيلي كمصدر للخطر، ولم تعد ترى في هذا الاحتلال عدواً، ولا يهمها مصير المقدسات، حتى أن بعض الفتاوى أخذت تصدر لمصلحة الاحتلال.


وللأسف فإن هذه الفئة هي من الدولة العربية بشكل خاص وقليل منها من الدول الإسلامية.


البعض سيقول إن هذه فئة ضالّة ولا تمثل الجماهير العربية، التي ما زالت تعتبر القضية الفلسطينية قضيتها الأولى. 


صحيح أنها مجموعات قليلة، ولكن هذا الأمر ما كان ليحدث قبل عشرين أو ثلاثين عاماً، وربما قبل عقد من الزمن، لأن من كان يتحدث مع إسرائيليين دون زيارة كان يُتهم بالخيانة. اليوم هؤلاء يعلنونها صراحة أنهم غير مبالين بكل ردود الأفعال. 


الجماهير العربية أصبحت لديها من الاهتمامات والمشاكل ما يصرف نظرها ولو بشكل مؤقت عما يحدث في فلسطين. 


جزء من هذا الخلل نتحمله نحن الفلسطينيين إضافة إلى أن الإعلام ضرب المصداقية الفلسطينية، ممثلاً بالفضائيات التي يملكها رأس مال يحاول الحفاظ على مصالحه مع الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة.


في ظل هذا المشهد السوداوي يبقى مشهد المقاطعة ناصعاً، وهو مشهد دولي أكثر من كونه عربياً، بل إنه مشهد غربي بامتياز، بدءاً من الدول الاسكندنافية وليس انتهاء بباقي الدول الأوروبية الأكثر تأثيراً باستثناء بعض هذه الدول التي كان تدور في فلك الكتلة الشرقية قبل انهيار جدار برلين وبعده الاتحاد السوفياتي.


نشطاء المقاطعة، ضميرهم إنساني بامتياز، يشعرون بمعاناة الشعب الفلسطيني من جهة، وبظلم وعدوان الاحتلال من جهة أخرى. وبالتالي إنسانيتهم هي طريقهم نحو إنهاء الاحتلال وعدوانه على الشعب الفلسطيني الذي ما زال يعاني منذ 7 عقود.


المطلوب اليوم إعطاء دفعة جماهيرية فلسطينية وعربية لنشطاء المقاطعة، من أجل أن تكون المقاطعة ورقة ضغط حقيقية على سلطات الاحتلال، التي تعلم خطورة هذه المقاطعة عليها، بحيث كلما زاد الضغط أصبح طريق الخلاص أقصر من آخر احتلال كولونيالي في العالم.


فلسطينياً، الانقسام والاقتتال الداخلي وتفرقنا أحزاباً ومجموعات قلل من نظرة الاحترام لنا على الصعيد الجماهيري العربي، وحتى نعيد الجمهور العربي إلى بيتنا الفلسطيني يجب أن نثبت أننا شعب مناضل من أجل حريته، وأيضاً من أجل الأمن القومي العربي.


أما على المستوى الإعلامي فنحن مُقصِّرون تماماً، وربما في بعض الأحيان نسيء باستخدامنا الخاطئ لوسائل الإعلام سواء على صعيد الفضائيات أو على صعيد الإعلام الاجتماعي.


وربما كان الأخطر ما نراه على صعيد الإعلام الاجتماعي، حيث في كثير من الأحيان ينجرّ البعض إلى مهاترات ومواجهات تصل إلى مرحلة سبّ وشتم شعوب وأنظمة عربية بعينها.. ما يؤدي إلى ردود فعل مماثلة.. وفي كثير من الأحيان يكون السبب أجهزة مخابرات أجنبية هدفها تأجيج الصراع بين العرب أنفسهم، وعلى وجه الخصوص.


الصراع بين التطبيع والمقاطعة هو صراع بين الحق والباطل.. بين الاحتلال والحرية.. بين العلم والجهل بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني.


abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد