أحسنت وزارة الثقافة باختيارها الزميل والصديق حسن البطل كشخصية ثقافية للعام، لأن «البطل» من خلال كتابته الصحافية في مجالات وهموم متعددة حرص دائماً على مسحة أدبية وثقافية، وعلى نحت لغوي من ثقافة لسانية مقدّرة وعميقة.


ألتقي حسن في كل يوم تقريباً، وأعرفه عن قرب، وأحرص على مجالسته ومصاحبته طالما كنت في رام الله منذ أكثر من خمس عشرة سنة.


حسن البطل مفتون بفلسطين أرضاً وشعباً. مفتون بأدق تفاصيل الحياة الفلسطينية تماماً كما هو مفتون بتاريخ صراعها على البقاء ضد الهجمة الصهيونية.


مفعم بالأمل ومسلّح بالإيمان الوطني، وأكاد أقول إنه مدجج بكل أسلحة الدفاع عن الوطنية الفلسطينية.


ليس دائم الإعجاب بكل ما يكتب، ولكنه كثير الاعتزاز بالكثير مما كتب.


في قرارة نفسه يشعر أحياناً أن الوهن يمكن أن يتسرب إلى القلم، ولكنه سرعان ما يعاود النهوض ليعيد «للعمود» الذي يحتل زاوية أنيقة في «الأيام» البهاء الذي ننتظره منه جميعاً. يتصف «البطل» بقدرة مدهشة على التبصّر السياسي، وله الكثير من المقولات التي تحولت إلى عناوين مأثورة في الأدب السياسي. خذوا على سبيل المثال كلامه عن الحقيقة السياسية الفلسطينية في عالم اليوم.


يردد البطل هذه المقولة دائماً عرفاناً للذين ضحوا من أجل الوصول إليها، وامتناناً للقيادات الوطنية التي واظبت وسهرت وعملت ليل نهار لكي تتحول الأحلام إلى حقائق قائمة وراسخة.


مقولة فيها من الحرب وفنون القتال ما يكفي ضد كل الأصوليات الطارئة على المشهد الوطني، والآتية إلينا من مستنقعات راكدة وفي مواسم الجفاف تحديداً.


حسن البطل يحسن القراءة المكثفة للحدث، ويحسن إعادة ترتيب الأحداث في مصفوفات المرحلة السياسية.


يكتب عن أبسط الأشياء وأكثرها تفصيلية ولكنه يعرف كيف يعيد تذويبها في محلول متدفق يزخر بالحركة نحو المسار الوطني، وخط السير المتعرج نحو البلاد الفلسطينية.


كثيراً ما يقول حسن البطل كلاماً عادياً ويومياً، لكن جزءاً هاماً من هذا الكلام يبدو وكأنه هارب من الشعر، على حد تعبير محمود درويش في مقام آخر.


يسألني ـ وهو بالمناسبة كثير الأسئلة ـ إن كنت قد قرأت مقاله، ويسأل أكثر إن كانت كتابته في بعض الأحيان دون المستوى المعتاد.


دائم الخشية من هذا الأمر بالذات، وهي خشية لا تصيب في العادة إلاّ أمثاله من الكتاب، وهو القلق الذي يساور كل كاتب أو أديب ملتزم نحو القارئ ونحو الوطن والقضية.


لا يخشى حسن البطل صعوبة الدرب، ولا يقلق كثيراً بالمسار المتعثر للوصول أو بالأحرى الانتقال من دائرة الحقيقة السياسية إلى دائرة الحقيقة السيادية، وهو قول تعلّمته منه شخصياً.. وذلك بسبب إيمانه الراسخ بقدرة الشعب الفلسطيني على اجتراح المعجزات إذا لزم الأمر.


الحالة الفلسطينية هي أصلاً حالة إعجازية، وأسطورية مهما بدت مستعصية ومهما كانت شروط انتصارها مبهمة وبعيدة، لأنها وبكل بساطة أثبتت دائماً وهي تثبت اليوم أكثر من أي وقت مضى بأنها حالة عصية.


عصية على التجاوز أو التغييب، وهي غير قابلة لأن تنحّى وهي صخرة جاثمة على صدورهم.


ليس سراً أن حسن البطل سوريّ الهوى فقد عاش فيها وتربّى في مدارسها الفقيرة وفيها تعلم أبجديات العمل الوطني، لكن حسن البطل نشأ فلسطينياً في عائلة تتغنّى بالفداء والتضحية والرجولة والشهداء، وعائلته أسهمت بقسطها الذي طلبه الوطن دون تفاخر أو تمنُّن ولكن بكثير من الفخر والانتماء.


حسن البطل يتمتع بذاكرة وطنية خارقة، وهو عميق الاطلاع على شؤون الأدب والثقافة والعلم، هو دائم النهل والاستحضار لهذا الاطلاع في كتابته الصحافية، وغالباً ما يحبك بمهارة عالية ما بين موضوع الكتابة وما يختزنه من ذاكرة ومعارف في توليفة رشيقة لا تثقل المقالة بهذه المعارف ولا تبقي الموضوع جافاً ومجرّداً عنها.


هذه التوليفة ـ الخلطة ـ هي سر مقالته ورونقها وهو دائم البحث فيها.


نحن، أصدقاء حسن المقربين منه، أو المقرب منا، نعاني الأمرّين من أسئلته وفضوله الزائد، ولكننا جميعاً نتسامح لأننا نعي في قرارة أنفسنا أن الأسئلة هي طريقته اللبقة في التشارك معنا حول الأمور والهموم، لأننا لا نقدر دائماً حاجته إلى هذا التشارك عندما تطول مداولاتنا دون أن يفهم أو يتابع النقاش كما يتمنى وكما لا يستطيع بسبب فقدانه للسمع.
حسن البطل الذي يفهم على لغة الشفاه أكثر بكثير مما يفهم الكثيرون من أصحاب الآذان المشذّبة والألسن الملعلعة. رجل بسيط وله أحلام طفل، ورقيق كالورد، دائم الحضور بثقافته الواسعة وقلمه الماهر وذاكرته الزاخرة بالمعاني.


مبروك يا حسن وشكراً وزارة الثقافة.


أما حسن فمن حقه علينا الاحتفال به في يوم الثقافة وفوق هذا الجسر الذي شيدته الوزارة بين حسن ومحمود درويش وأعادت علاقة جميلة كانت بين الكاتب والشاعر منذ سنين طويلة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد