يعتبر بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيلية زيارته للعاصمة الأميركية مهمة جداً في تسويق نفسه كمدافع صلب وربما أكبر المدافعين عن أمن إسرائيل. وكان من المهم أيضاً بالنسبة له أن يركز على الملف الإيراني ارتباطاً بالتواجد العسكري الإيراني في سورية والمشروع الإسرائيلي الكبير في المنطقة. ولهذا السبب تحدث لوسائل الإعلام أن الملف الفلسطيني بالكاد حصل على اهتمام وبما لا يزيد على 15 دقيقة في لقاء القمة الذي جمعه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأنه لم يسمع عن أي خطة أميركية جدية.


بطبيعة الحال يهتم نتنياهو بالخطة الأميركية التي يجري التخطيط لها، ولكنه في هذا المقام ليس محتاجاً لتأكيد الموقف الإسرائيلي الرافض لفكرة التسوية القائمة على أساس الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي المحتلة منذ عام 1967 وقيام دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، فترامب يقوم بالمهمة، وقد عاد وأكد على ازالة موضوع القدس من طاولة المفاوضات. كما أنه يستطيع الاعتماد على مستشاري الرئيس ترامب جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات والسفير الأميركي في إسرائيل دافيد فريدمان، فهم يدافعون عن مصلحة اليمين الإسرائيلي ومواقفه بصورة أفضل حتى من زعيم حزب «البيت اليهودي» نفتالي بينيت.


القلق الإسرائيلي الأكبر هو التحولات في الحرب الحاصلة في سورية واقتراب النظام السوري من حسم الحرب لصالحه بشكل كبير في المناطق القريبة من الجولان المحتل والحدود الإسرائيلية وهزيمة المجموعات التي رعتها إسرائيل ومولتها وسلحتها وعلى رأسها جبهة النصرة، وإحلال قوات سورية وإيرانية ومن «حزب الله» مكانها بشكل يهدد العمق الإسرائيلي ويحول دون استمرار استباحة الأراضي السورية، وقصف القوات السورية ومواقع حلفاء النظام الإيرانيين وحتى مواقع وقوافل «حزب الله». ولم تنجح إسرائيل في دفع روسيا لإبعاد القوات الإيرانية مسافة كبيرة عن الحدود الإسرائيلية، كما أن قصفها واستهدافها المتكرر لقواعد تقول أنها إيرانية لم ينجحا في تغيير سير الأمور بالاتجاه الذي يخدم مصالحها، بل على العكس تماماً تذهب التطورات بالاتجاه المناقض، خاصة بعد اسقاط طائرة الـ أف 16 الإسرائيلية من قبل الدفاعات الجوية السورية التي بعثت برسالة واضحة تقول أن قواعد اللعبة تغيرت وما كان مسموحاً أو مسكوتاً عنه لم يعد كذلك.


ولعل خطاب التهديد الذي ألقاه فلاديمير بوتين الرئيس الروسي قبل أيام وكشف فيه عن الصواريخ والأسلحة الروسية النوعية الجديدة، وهدد فيه بالرد بشدة على كل استهداف لروسيا أو حلفائها سواء أكان باستخدام أسلحة نووية أو صواريخ بالستية، قد أغلق الباب أمام امكانية أن تؤثر إسرائيل على القرارات والمواقف الروسية بشأن حلفاء موسكو في سورية. ولهذا لم تبق لإسرائيل سوى الولايات المتحدة لإنقاذ إسرائيل من واقع جديد سيئ وغير مقبول عليها وقد يخل بموازين القوى في المنطقة.


 الحكومة الإسرائيلية تشعر بخيبة أمل من سلوك الإدارة الأميركية في سورية وخاصة قدرة واشنطن على إملاء مواقف على روسيا وحلفائها. وتشعر الأوساط الإسرائيلية النافذة أن ما يهم واشنطن هو التمركز في مناطق النفط في شمال سورية دون اهتمام بما يجري في الجنوب وفي محاذاة إسرائيل. وكل ما يسعى له نتنياهو هو إقناع الإدارة الأميركية بالتأثير بصورة أكبر في مجريات الأحداث في الساحة السورية، وعدم السماح للنظام السوري بالقضاء على حلفاء إسرائيل وواشنطن والسماح لإيران بالانتشار بحرية في الأراضي السورية وبالقرب من المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل.


من الواضح أن النظام السوري بدعم من روسيا وإيران يتجه للسيطرة التامة على الغوطة وقواته تتقدم بصورة ملموسة وتقضي على دفاعات الجماعات الإرهابية المتحصنة هناك وقد اتخذ قرار روسي- سوري- إيراني بالتخلص من الوضع القائم في الغوطة الذي يهدد دمشق والتي تتعرض للقصف من مناطق الغوطة. ولا يبدو أن محاولات الإدارة الأميركية سواء في مجلس حقوق الإنسان الذي اتخذ قراراً ضد دمشق أو في مجلس الأمن ستغير من المعادلة أو من سير المعارك هناك.


حتى محاولة فبركة اتهام للنظام السوري باستخدام سلاح كيماوي كوسيلة لتوجيه ضربات كبيرة لقواته لشل حركتها ومنعها من الانتصار في المعركة ضد الجماعات الإرهابية المدعومة من إسرائيل والولايات المتحدة، لن تنجح، والروس حسموا أمرهم ولن يسمحوا باستهداف القوات السورية بشكل جدي. وقد تلجأ إسرائيل للقيام بعدوان كبير داخل الأراضي السورية على غرار ما تقوم به تركيا في الشمال في إطار ما تسميه عملية «غصن الزيتون». ورغم أن هذا السيناريو صعب للغاية لأنه ستترتب عليه مواجهة أشمل بكثير من مجرد عملية في سورية، وهو محفوف بالمخاطر لجهة الرد الروسي أو حرب شاملة مع «حزب الله» والقوات الإيرانية والسورية. ولكن بالمقابل قد يكون هذا حلاً لمشاكل نتنياهو الذي بات يضيق عليه الخناق وباتت أيامه معدودة. مع أن احتمال تقديم إجراء الانتخابات في إسرائيل بات وارداً على خلفية الخلاف حول الموازنة العامة، وهو ما قد يساعد نتنياهو في كسب الوقت والدخول في ولاية جديدة إذا ما فاز حزبه بأعلى الأصوات وشكل الحكومة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد