لا يعرف أحد إلى أي مدى يمكن للوفد الأمني المصري أن يصبر ويستمر في مهمته الصعبة، قبل أن يقرر المغادرة، وترك الانقسام لأقداره. عودة الوفد المصري للنشاط الميداني، في قطاع غزة ، لفحص ادعاءات الطرفين، من يشترط التمكين أولاً، ومن يدعي أنه قام بكل ما عليه لتحقيق التمكين، تلك العودة كانت تحمل مؤشراً إيجابياً، خصوصاً بعد حوارات مطوّلة مع وفد حركة حماس ، ومع حركة فتح.


من يرجّح نجاح الوفد في تحقيق هدف إنجاح المصالحة، يراهن على أن مصر ما كانت لتعود إلى حقل التجريب، ومواجهة الفشل، غير أن واقع الحال يشير إلى أن الفلسطينيين يمكن أن يستمروا في حواراتهم ومناكفاتهم وحساباتهم إلى الأبد. اختلفت الظروف المؤثرة في موضوع المصالحة، واختلف الزمان، وتكاثرت المخاطر على القضية الفلسطينية، دون تبدل في طبيعة الحوار واشتراطاته، وأهدافه. مئات الساعات، قضاها الطرفان في الحوار، وإعلانات واتفاقيات كثيرة كنا نظن أن آخرها، في تشرين الاول الماضي، ستكون الحاسمة من حيث الوضوح ومن حيث إمكانية التنفيذ، لكن الأمر لم يختلف عما سبق. في كل مرة يعتقد المواطن أن الأمور أخذت طريقها نحو التنفيذ تخرج عليه اشتراطات جديدة، وعقبات جديدة، وتدخلات وحسابات جديدة، تبتعد في كل مرة عن مصلحة الوطن والمواطن. عندما وصل الوفد الأمني المصري إلى قطاع غزة، ظن البعض أن المسألة تتعلق بموضوع الجباية الداخلية، التي تتمسك بها حماس لحماية حقوق موظفيها، طالما أن حكومة الوفاق لم تقرر تحمُّل المسؤولية عن هؤلاء الموظفين. بصدد هذه القضية أعلنت حماس استعدادها لتسليم ملف الجباية الداخلية، ومقابل ذلك أعلنت الحكومة عن موازنتها للعام الحالي، بما يضمن استيعاب عشرين ألف موظف مدني لتحسب خدمتهم منذ تعيينهم بعد 2007. 
في الواقع فإن الحكومة، قدمت موازنتين واحدة بمبلغ خمسة مليارات وثمانمائة مليون دولار، وتشمل العشرين ألف موظف من حماس، وأخرى بمبلغ خمسة مليارات، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن إدماج موظفي حماس.


الموازنتان مرفوعتان للرئيس، ما يعني أن القرار سياسي وهو بيد الرئيس محمود عباس ، الذي عليه أن يقرر اعتماد أي من الموازنتين في ضوء إشعار من المستوى السياسي لحركة فتح، بأن الحكومة تمكنت أو أنها لم تتمكن بعد.


تقديم الموازنة بهذه الطريقة، يشير إلى أن ثمة إجراء مشروطا جرى تعزيزه بإجراء آخر حين صرح رئيس هيئة ديوان الموظفين العام أنه تقرر تجميد موضوع التقاعد المبكر للموظفين المدنيين.


وزير الزراعة الفلسطيني سفيان سلطان يقول إنه يمكن صرف رواتب موظفي حماس، في آذار المقبل، إذا تم تنفيذ كل الإجراءات المتفق عليها. أما عن الإجراءات فيقول إن هناك أربعة ملفات رئيسية تشكل عائقاً أمام إتمام المصالحة، وهي الجباية، وأمن المؤسسات والقضاء وموضوع الأراضي.


وأضاف الوزير سلطان تحذيراً من مسألة دخول البضائع غير القانونية من بعض المعابر، خاصة البوابة القطرية، وبعيداً عن المعابر الرسمية. إشارة الوزير سلطان تذهب إلى بوابة صلاح الدين على الحدود بين القطاع ومصر، حيث شهدت دخول ثلاث وخمسين شاحنة من مصر إلى القطاع، وهو معبر بعيد عن سيطرة السلطة، وإسرائيل.


في المقابل يصرح القيادي في حماس الدكتور إسماعيل رضوان لـ»دنيا الوطن» أن الحركة جاهزة لتسليم الجباية الداخلية لكنها تريد أن تحصل على ضمانات بالالتزام بدفع الرواتب أو أجزاء منها. تبدو قضية الرواتب على أنها لا تتوقف على العشرين ألفاً التي أبدت الحكومة استعدادها لاستيعابهم، حيث يقول رضوان إن توصيات اللجنة الإدارية القانونية التي أنهت اجتماعاتها مطلع شهر شباط تضمنت استيعاب كل الموظفين، وأنهم بحاجة إلى آلاف الموظفين الجدد. بحذر يقدم كل طرف رسائله للطرف الآخر، بينما تسيطر على هذه الرسائل أزمة ثقة عميقة، واستمرار التمسك كل بحساباته. إذا كانت الأمور تتخذ هذا المنحى، فإن مسلسل الاشتراطات والطلبات، والذرائع سيطول أمره بدون أي نتيجة.


من الواضح أن كل طرف يتحدث عن تنفيذ الاتفاق، وأي اتفاق لا أحد يعرف بالضبط، فقط الوفد المصري هو الذي يعرف ما إذا كان هناك اتفاق على التفاصيل التي يدلي بها كل طرف على أنها اتفاق يتوجب تنفيذه.


الوفد المصري صامت حتى الآن، ويبدو أنه لا يستعجل الإدلاء بأية تصريحات تتعلق بوجود وماهية الاتفاق، أو بالطرف المسؤول عن التعطيل، أو حتى المطلوب من كل طرف.
عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، يطالب الوفد المصري بالإعلان عن الطرف المسؤول عن استمرار تعطيل المصالحة، وربما كان من الأجدى فعلاً أن يحصل ذلك حتى لو أن الأمور لم تنته إلى نتيجة.


المهم في كل هذا الاستعراض، أن كل طرف يطرح ما له، ويشترط على الطرف الآخر أن يقدم ما عليه، لكن مصلحة الناس، هي الغائب دائماً من حسابات الطلب والرد، وكأن تحرير فلسطين مرهون بهاتين الحركتين، وما دون ذلك خيار وفقوس.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد