السؤال لا يحمل طابعاً استنكارياً، كما لا يحمل أي طابع استفساري بقدر ما أنه يحاول أن يشرح الأسباب الموجبة لعدم الإفصاح التام عن النوايا والتوجهات الحاسمة والنهائية بانتظار محطات «مهمة» لا يجوز استباقها، أو ليس من الحكمة استباقها، على الرغم من أهمية استباق مثل هذه المحطات في ظروف معينة غير هذه الظروف التي تواجهنا والصعاب والعراقيل والاستعصاءات والانسدادات التي تقف في طريقنا.


المحطة الأهم هي القمة العربية:


من المؤكد هنا أن القيادة الفلسطينية لا تنتظر المعجزات. وواضح أن القمة العربية القادمة في الرياض يمكن أن تذهب إلى اتخاذ مواقف تكون في محصّلتها دعماً وإسناداً للمواقف الفلسطينية، ودون ان تصل الامور بأي حال من الأحوال الى تجاوز السقوف الحالية ودون أن تربط هذا الدعم والإسناد بالوقوف ضد الإدارة الأميركية ومواجهة توجهاتها التي باتت تعلن جهاراً نهاراً عزمها العمل بكل الوسائل على تصفية الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، في كل مفاصل هذه الحقوق، في الحق بتقرير المصير على التراب الوطني والحق بالعودة وفق قرارات الشرعية الدولية.


ومع ذلك، ومع أن القيادة الفلسطينية تدرك استحالة وصول القمة إلى مواجهة جادة للسياسة التي تنتهجها الإدارة الأميركية، إلاّ أنها لا تستطيع أن تستبق القمة، وهي (أي القيادة الفلسطينية) تأمل أن تكون المواقف المنتظرة من القمة عاملاً ضاغطاً على الإدارة الأميركية باتجاه وقف جموحها ضد الشعب الفلسطيني وقيادته وحقوقه وأهدافه، وباتجاه ما بات بحكم المشاركة الفاعلة من قبل هذه الإدارة والانخراط التام في تنفيذ السياسات العدوانية والتوسعية والعنصرية والتهويدية للائتلاف اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل.


ليس من الحكمة أن تحسم القيادة كل خياراتها وكل توجهاتها قبل القمة، ذلك أن ما سيتم التوصل إليه في هذه القمة يمكن أن يساعد هذه القيادة على اختيار الوقت والظرف والآليات المناسبة للإفصاح عن كامل التوجهات القادمة.


وحتى لو أن القيادة الفلسطينية لديها تصورات كاملة عن الكيفية التي سيتم وفقها (إخراج) المواقف العربية، والتي ستراوح ما بين دعم وإسناد معمّم ومعوّم وما بين مناشدة الإدارة الأميركية للتراجع عن قرار الاعتراف ب القدس عاصمة لإسرائيل وحثها على «ضرورة» الالتزام بالقوانين الدولية المتعلقة بمدينة القدس.. إلاّ أن القيادة هنا لا ترغب ـ على ما يبدو ـ بأن تستبق القمة، ذلك أن القمة نفسها تبدو على مفترق طرق في قضايا أخرى مفصلية على مستوى كامل الإقليم.


الصراع في سورية وعليها ومستقبل العلاقة مع إيران والأزمة بين بلدان الخليج العربي وقطر وكذلك العلاقة مع تركيا كلها قضايا على تماس مباشر بالقضية الفلسطينية، وهو الأمر الذي يجعل من استباق القمة أمراً في غاية الصعوبة.


كذلك فإن القيادة الفلسطينية كانت تفضل أن تذهب إلى هذه القمة وقد أنجزت إنهاء الانقسام وأعادت ترتيب البيت الفلسطيني. وكان بودّ القيادة الفلسطينية أن تذهب إلى هذه القمة دون أن يكون للتجاذب الإقليمي دور فاعل في استخدام الورقة الفلسطينية وتوظيفها لأجندات خاصة، وكانت القيادة ترغب حقاً أن يكون النظام السياسي الفلسطيني برمّته قد أعيد بناؤه على أسس ديمقراطية ثابتة ـ أو هو في الطريق إلى ذلك، وكانت القيادة الفلسطينية في موقف أقوى بما لا يقاس لو تمّ لها ذلك قبل القمة.


أما وان المصالحة ما زالت تراوح وتتعثر وتتعطل بصورة منتظمة كلما اقتربنا من إتمامها، أو كلما اتفقنا على إتمامها، فإن القيادة الفلسطينية على ما يبدو لا تشعر بأن الظروف جاهزة لمطالبات فلسطينية عالية من هذه القمة.


إضافةً إلى كل ذلك، فإن القيادة الفلسطينية تعرف حق المعرفة أن المواقف التي اتخذتها ضد سياسة الإدارة الأميركية ممثلة بالرئيس ترامب هي سياسة مكلفة على الصعيد المالي، وهي تدرك أن الدعم الدولي على أهميته القصوى لا يمكن أن يوفر الأسباب الكافية للصمود الوطني من دون الدعم العربي المضاعف في المراحل القادمة، وهي ـ أي القيادة الفلسطينية ـ تأمل في الحصول على هذا الدعم على الأقل طالما أن الحصول على الدعم السياسي سيقتصر على «الهمة الإعلامية» وهو لن يصل أبداً إلى تخوم منطقة الصدام مع الولايات المتحدة، هذا إذا لم يكن الأمر مختلفاً بحيث يمارس العرب الضغوط على القيادة الفلسطينية بهدف التوافق والتفاهم مع الإدارة الأميركية على قاعدة « صفقة القرن » مع إجراء بعض التحسينات الشكلية عليها.


البعض يعتقد أن الحكمة تقتضي أن تبادر القيادة الفلسطينية إلى الإعلان عن كامل نواياها قبل القمة للضغط عليها.


أغلب الظن أن الزمن الذي كنا نستطيع أن نفعل ذلك قد ولّى إلى غير رجعة ورحم الله امرأً عرف قدر نفسه.


ليس سهلاً أن تكون في موقع القيادة وأن تستسهل الاستباق، ومن الصعب أن تفضل إرضاء الأمزجة على حكمة التدبير وحنكة التفكير، ولهذا الحكمة تقتضي أن نلتمس للقيادة عذراً شريطة أن لا تتأخّر لحظةً واحدة إذا دقت ساعة الحسم.


دعونا نتذكر دائماً أن الضغوط هائلة ودعونا نتصوّر حجم التلويحات بالمشاريع البديلة عن المشروع الوطني، الأدوات الفلسطينية الجاهزة للوقوف ضد المشروع الوطني موجودة وتعبّر عن نفسها برفض المصالحة والتعطيل لها، ولذلك ما زال الحسم بانتظار مفاصل ومحطات قادمة سريعاً.


ليس قبل هذه المحطات ما يوجد للحسم النهائي.
 

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد