لم يعد خافياً على أحد وقاحة المشهد السياسي في فلسطين عموماً و غزة على وجه الخصوص والتي يراد من تجويعها تركيعها والضغط عليها أكثر وغياب الضمير لجميع الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية المتواطئة مع إسرائيل ومحاولات تبرئتها من احتلالها وحصار قطاع غزة بتعزيز فصله عن بقايا أراضي السلطة الفلسطينية.
الزيارات المفاجأة وإدخال الوقود والسجاير والخضروات والموز والثوم، والدعم الإماراتي والقطري الذي غُلف بطابع إنساني ليس غريباً، فالتحركات العربية لحل جزء يسير من أزمات غزة، تشبه المساعدات من خضروات وغيرها من مواد غذائية التي كانت تحصل عليها الفصائل الفلسطينية من المزارعين والتجار في الانتفاضة الأولى وتقوم بتوزيعها على الناس في فترات حظر التجول، أو تلك التي كانت إسرائيل بواسطة الإدارة المدنية تسمح بإدخال المواد التموينية بعد إستدعاء التجار والوجهاء والمخاتير وبعض الشخصيات الوطنية والتشاور معهم في كيفية إدخال الدقيق والخضروات في فترات حظر التجول.
منذ عدة أشهر وإسرائيل تجري نقاشاً في الحكومة والمؤسسة الأمنية لتفادي إنفجار الأوضاع الإنسانية المتفاقمة لتقديم تسهيلات لقطاع غزة، ويرفض وزير الأمن افيغدور ليبرمان الاخذ برؤية الأجهزة الأمنية والجيش بتقديم التسهيلات، وإسرائيل تتهرب من مسؤولياتها القانونية عن الأوضاع الكارثية التي وصل اليها قطاع غزة.
التنافس من الأطراف العربية المختلفة بإدخال مساعدات إنسانية بذريعة إنقاذ الوضع الإنساني المتدهور في قطاع غزة مدهش ويثير تساؤلات عن السبب فغزة ليست بحاجة لمواد غذائية، فالقضية ليست إنسانية، بل هي سياسية بامتياز وهناك احتياجات أهم بكثير من الموز والثوم والسجاير ووقود يشغل مولد واحد في المحطة ما يلبث أن يتوقف.
الأوضاع الكارثية في القطاع ليست مفاجأة وهي مستمرة منذ عقد من الزمن وفي تفاقم مستمر منذ فرض الحصار الإسرائيلي على القطاع، والعرب يتقاسمون الأدوار في ترويض غزة و حماس ، والحديث عن إنقاذ غزة من الكارثة الإنسانية التي يعيشها القطاع ليس بريئاً فمنهم من يقدم الجزر والموز والثوم والسجائر، ومنهم من يهدد بالعصا كوزير الخارجية السعودي عادل الجبير. والجميع لا يتلعثم سواء صاحب الجزرة او العصا وكلاهما يجهران ويتنافسان على مساعدة اسرائيل وليس غزة، فكل له أهدافه في نيل الرضا الامريكي الاسرائيلي، فالمساعدات التي لا تغني ولا تسمن من جوع تدخل بالتنسيق مع اسرائيل.
تصريحات السفير القطري تعبر عن وقاحة المشهد وعقده اجتماعات مع قطاعات المجتمع المختلفة في غزة يظهر حقيقة أن الفلسطينيين رهائن انقسامهم، واللعب في على المكشوف في ساحتهم بدون خجل أو وجل، وهم ينتظرون مزيد من التسهيلات الانسانية من دون مواجهة هذه المسرحية المكشوفة.
كل ذلك مرتبط بما يحاك وتفاصيل صفقة القرن والقرار الامريكي بنقل السفارة الامريكية الى القدس في شهر مايو/ آيار القادم، وتصريحات السفيرة الأميركية في الأمم المتحدة، نيكي هيلي، بأن الاعتراف الأميركي بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل مر من دون أن تسقط السماء على الأرض خلافاً للتوقعات، ونقل السفارة سيمر من دون أن تسقط السماء على الأرض، باستثناء غضب كلامي صدر عن القيادة الفلسطينية والفصائل.
الغضب الفلسطيني من القرار بنقل السفارة لم يترجم لفعل حقيقي واتخاذ قرارات وحدوية بإتمام المصالحة والدعوة لعقد ورشة وطنية تبحث في سبل إعادة الاعتبار للمشروع الوطني واعادة بناء منظمة التحرير، القيادة الفلسطينية تدرك حجم التراجع العربي والاستجابة للرؤية والشروط الاميركية، وما يمارسه العرب من ضغط على الرئيس محمود عباس تظهر حجم الهوة بين الفلسطينيين والعرب في جميع المجالات السياسية والدبلوماسية. الرئيس عباس اصبح بدون حول ولا قوة ويرفض ايضا تنفيذ قرارات المجلس المركزي والاستجابة للضغوط بإتمام المصالحة.
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية