جاءت الدورية العسكرية الاسرائيلية لازالة العلَم الفلسطيني عن الاسلاك الشائكة التي وضعها الاحتلال للفصل الحدودي بين قطاع غزة واسرائيل، الا ان العلَم لم يكن مجرد شريط من القماش الملون بالأحمر والأخضر والأسود والأبيض، بل كان متفجرة مزروعة تم تفعيلها عن بعد، سقط أربعة جنود إسرائيليين من سلاح الهندسة جرحى، اثنان منهم بحالة الخطر الشديد، وهذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها زرع مثل هذه المتفجرات على الحدود الشائكة هذه، مع ذلك، فإن سقوط أربعة جرحى أيضا ليست المرة الأولى التي تكون فيها خسائر بشرية بين جنود الاحتلال، مع انها الأكثر خسارة، ونحن هنا نتحدث عن الخسارة ليست فقط من منطلق العدد ولا من منطلق خطورة الجرحى، بل من منطلق آخر تحدثت عنه الأوساط الأمنية والسياسية في إسرائيل، نقلتها عنها وسائل الإعلام الاسرائيلية المختلفة.


الدورية العسكرية الاساسية كانت من قوات النخبة من قوات جولاني، التي استدعت قوات الهندسة لازالة العلم، والتي وصلت على الفور، ومعها كافة الامكانيات والادوات الفنية اللازمة لازالة المتفجرات، ومن بين هذه الاجهزة روبوت يمكن له العمل عن بعد، الا ان قوات الهندسة هذه يبدو انها استخفت بالامر، في اطار من الغطرسة، حسبت ان الامر مجرد علَم يمكن ازالته تحت حراسة دورية جولاني، لكن الامر لم يكن كذلك، انفجرت العبوة وقيل انه تم التحكم بها عن بعد، وانها اي المتفجرة كانت اكثر من متفجرة واحدة، بحيث انفجرت اكثر من مرة على التوالي!


فوجئت القيادة الجنوبية لجيش الاحتلال بسقوط هذا العدد من الجرحى، وقالت حسب وسائل الإعلام، انه لم يكن ينبغي ان يسقط اي جريح نظراً للحماية المباشرة من قبل قوات جولاني من ناحية، ولتوفر كل أسباب إزالة المتفجرات بكل بساطة. التحقيقات الأولية تشير الى ان دورية الهندسة تعاملت مع الأمر باستهانة واستخفاف، الامر الذي ادى الى سقوط جرحى ما كان لهم ان يسقطوا في المصيدة الفلسطينية هذه، والتي كانت من البساطة المثمرة  في مواجهة التقنيات المغلفة بالاستخفاف!


معادلة بسيطة للغاية، نتجت عن هذه العملية، تشير الى مصطلح توازن القوة، معادلة لا تمنح المواصفات التقليدية للمصطلح اي معنى، وتؤكد على ان المقاييس المتعارف عليها باتت اعجز من أن تتعامل مع الوقائع الجديدة، الا ان ذلك بالمقابل يجب الا يدفع الجانب الفلسطيني الى «الانبهار» خاصة مع الإعلان عن تصدي المقاومة للطائرات الإسرائيلية المغيرة بصواريخ ارض - جو، ورغم ان الجيش الإسرائيلي لم يشر الى ذلك، ربما بدافع من الغرور، او بدافع من إرساله رسالة اطمئنان الى الإسرائيليين، الا انه من الأرجح ان تضيف الدولة العبرية امتلاك المقاومة في غزة لصواريخ ارض جو، لتأكيد مقولتها حول الأخطار المحدقة بأمنها وأمن مستوطنيها من ناحية، وللإشارة الى ان المواجهة هي بين جيشين واقرب الى الحرب التقليدية، ما يضيف مبرراً إضافياً لاي مواجهة او عدوان تقوم به دولة العدو على قطاع غزة، واكثر من ذلك، وبالتوازي مع التصعيد الإسرائيلي على الجبهة الشمالية، فهي اشارة الى مستويات من التنسيق الامني بين هذه الجبهة وجبهة الجنوب على ضوء ما تشير اليه اسرائيل من تعاون بين حزب الله وايران من جهة وحركة حماس من جهة اخرى، واحتمالات متزايدة بان الحرب القادمة ستشتعل على كل الجبهات بخلاف جولات الحروب السابقة!


كيف تم زرع عبوة السبت الماضي هذه على مسافة صفر من وسائل المراقبة المباشرة والإلكترونية وعدسات الكاميرات الخفية والمعلنة من دون ان تراها اعين قوات الاحتلال؟ الجواب لم يأت متأخراً، فقد سارع الجيش الإسرائيلي ليدعي ان المقاومة لم تكن بحاجة الى التسلل لوضع هذه المتفجرات مكانها، فقد تم وضعها يوم الجمعة اثناء الاشتباك السلمي الذي يقوم به النشطاء الفلسطينيون على الحدود وبالقرب من «السياج الفاصل» وتمكنت مجموعة محددة من المقاومة من اقتناص حالة الاشتباك، كي تضع هذه المتفجرة بكل هدوء وبكل بساطة من دون ان تلحظها اجهزة الرقابة الاسرائيلية القريبة جدا من مكان المتفجرة، غادر المحتجون، وبقي العلم كمصيدة لقوات جولاني وسلاح الهندسة الاسرائيلية!


لذلك، من المتوقع ان تنفذ قوات الاحتلال تهديدها «باعادة النظر في طرق واساليب التعامل مع الاحتجاجات والتظاهرات التي يقوم بها الفلسطينيون على الشريط الحدودي مع قطاع غزة» حتى لا تتكرر مثل هذه العملية، حسب تهديدات وزير الحرب الإسرائيلي ليبرمان ورئيس اركانه ايزنكوت، وهذا يعني استخداما أوسع للرصاص الحي والتعامل مع النشطاء كإرهابيين مسلحين، ومع ان هناك اكثر من ١٥ شهيداً سقطوا على تخوم الشريط الحدودي في قطاع غزة، اي ان قوات الاحتلال لم تكن لتوفر استخدام الطلقات المعدنية في المواجهة، الا انه من المتوقع ان تلجأ قوات الاحتلال لمزيد من استخدام القوة النارية المباشرة لفض الاحتجاجات السلمية!


hanihabib272@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد