هل شبكات التواصل الإلكترونية دواءٌ لإشفاء البشر، وتنفيس مكنوناتهم، مثل الرياضات والفنون، يمكنها تعزيز التعاون والتواصل، والنهوض بالمستوى الاجتماعي والتربوي، وإنعاش الاقتصاد، وتقوية النسيج المجتمعي، وتطبيق الديموقراطية؟
أم أنها داءٌ، ومرضٌ أصاب البشر، اغتال منهم إنسانيتَهم، وزرع فيهم نظامَه الآلي، وجعلهم يُدمنون على مُنتجات سادةِ الإعلام لغرض الربح الاقتصادي، واستعمار العقول بلا جيوش، واستبدال ديكتاتورية شبكات التواصل، بديكتاتوريات الطغاة والحكام؟
زبائن هذه الشبكات الرقمية يتراوحون بين عدة أقسام؛ منهم المثقِّفون، والواعون، والمبدعون، ممن ينشرون إبداعاتهم لغاية سامية، وهي نشر الثقافة، وتعزيز الوعي، هؤلاء قادرون على توظيف هذه الوسائط الإعلامية لأغراضٍ سامية، بخاصة في مجال التربية والتعليم والثقافة، هؤلاء قليلون في عالمنا العربي.
هناك قسمٌ آخر، هم العوام، وأنصاف المتعلمين، الباحثون عن التسلية والترويح، هم الكثرة، هؤلاء يلتصقون بما يكتبُهُ الآخرون، ممن يثقون في آرائهم، وتقديراتهم، يتابعونهم في كل كلمةٍ من كلماتهم، ويفخرون بهم في كل المجالس، يمدحونهم، ويُبرزون إعجابهم بما يكتبونه، ثم ينتظرون بعد دقائق علامة الإعجاب بتعليقاتهم، فإن طال انتظارُهم، ولم يظفروا بالرد والإعجاب بتعليقاتهم، حتى وإن كانتْ تعليقاتُهم لا تمسُّ جوهرَ المكتوب، فإنهم سرعان ما يُعاقبونهم بالذمِّ، والقدح، ويتبع ذلك أنهم يمتنعون عن التعليق على منشوراتهم، ثم يحجبون الإعجاب، وقد يصل الأمر إلى إلغاء صداقتهم!
أما القسم الثاني من ضحايا الشبكة، مِن المصابين بمرض شبكات التواصل، هم الذين يُعانون من ضوائق الحياة، ونقص جرعات التشجيع، ولا سيما في المجتمعات التي يَقِلُّ فيها الاستبشار والأمل، وينتشر فيها مرض الإحباط والتشفِّي، والعُنف، هؤلاء يرون في الشبكة مخلِّصا من تلك الضوائق، وشافيا من أمراض المجتمع، يصنعون من عدسات هواتفهم تسريحة شعر، ومرايا، لهم ولعائلاتهم، أكثر هؤلاء يهربون من واقعهم المرير، ليشعروا بالرفعة، ويُنفسوا عن كُرَبهم بكاميرات هواتفهم، حتى بصورة شهادة نجاح رضيعٍ في روضة أطفال بتقدير ممتاز! ومن هذه الفئة أيضا، كلُّ الذين يُعانون من نقص الدَّعم والنصرة من محيطهم، هؤلاء يُهاجرون إلى الشبكة، لينقذوا أنفسهم من العُزلة باستخراج مخزوناتِ ذكرياتهم، أي المناسبات الأُسرية والعائلية، أبرز هذه المخزونات، فتح ملفات المرحومين من عائلاتهم، الآباء، والإخوة، حتى أطراف الأقارب، وصولا إلى بعض المعارف والأصدقاء، حتى بعد مُضي عشرات السنوات على موتهم، والغاية هي بالتأكيد تصبُّ في أمرين: الأول، أنهم يودون أن يُعلنوا للآخرين؛ أنهم مخلصون أوفياء لذكريات أُسرهم، والثانية هي استدراج الأصدقاء والمعارف لكي يُجاملوهم، ويمدحوا وفاءهم وإخلاصهم!
أما القسمُ الثالث من عُشاق الشبكة فهم الباحثون عن الخلاص من الحياة الراهنة، والسعي إلى الحياة الأخرى، هؤلاء هم الكثرة، ممن يعيدون توزيع منتجات الوعظ والإرشاد على الآخرين؛ وهم قسمان: البسطاء الذين يوزعون رسائل وصور وفيديوهات الوعظ، دون أن يطلبوا ثمنا لذلك، أما النوع الثاني، فهو النوع غير البسيط، وهو الذي يُطاردك، ويرعبك، ويدعوك إلى أن تفعل مثله، وتعيد نشر وعظه وإرشاده على الآخرين، بعد مكافأة بثوابٍ كبير إن فعلتَ، وينذرك ويُرعبك بصورة مُبطَّنة، إن لم تفعل فعله!
أخيرا، أصبحت شبكات التواصل عند الأمم التي لا تُفلحُ في المنافسة على إنتاج هذه التكنولوجيا، والمشاركة في إبداعاتها، أصبحت مُستحضرا إدمانيا فائق التأثير، ولجاما لقيادة الأمم، لحلب ضروعها، بعد أن أصبحت مِن سَقَط المتاع!!
أما الدولُ المنتجة لهذه التكنولوجيا، فهي تُسخِّر إنتاجَها التكنولوجي، وتعتبره مصدرَ دخلها الرئيس، وقطارها المتجه نحو المستقبل، لتتصدر القيادة!!
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية