أمست المصالحة كلمةً ممجوجةً إلى درجة أن الكثيرين أعرضوا عنها؛ لأنها أصبحت كالمتاهة لا تُعرف بدايتها من نهايتها، ومع أننا نعرف كيف دخلناها فإننا غير قادرين على إيجاد المخرج منها، وبالتالي أصبحنا ندور في حلقة مفرغة.


أخطر ما في المصالحة هو قذف أسباب فشلها باتجاه حركة أو حزب أو مجموعة معارضة. 


" حماس " تؤكد أن "فتح" تتحمل المسؤولية عن فشلها، و"فتح" تؤكد أن عدم جهوزية "حماس" وتمسكها بالحكم بشكل غير مباشر هما السبب. الحكومة تُحمِّل حكومة الظل في القطاع المسؤولية وتطالب بالتمكين. المعارضة اليسارية الضعيفة والتي أصابها وهن التمويل الخارجي لمؤسساتها الأهلية التي أصبحت بمثابة الحزب أو الحركة، هي أيضاً تائهة، فمرة تُحمِّل هذا الجانب المسؤولية وتارة تُحمِّل المسؤولية للجانب الآخر، وفي أحسن الأحوال تدعو في بياناتها الجماهير إلى التحرك... ولا ندري عن أي جماهير تتحدث، هل تقصد جمهور اليسار، أم الجمهور العلماني، أم جمهور القوى الإسلامية باختلاف مُسمّياتها والتي تتوزع أيضاً ولاءاتها هي الأخرى بحسب الجهة الممولة ابتداءً من الخليج وليس انتهاءً بإيران أو الباكستان.


حركات الشباب أيضاً حاولت، وبدأت بنوايا صادقة، ولكن سرعان ما تم اختراقها من قوى الانقسام، فأصبحت تعكس الوضع القائم، ولا تعكس حالة التصدي والقدرة على المواجهة أو التحرك القوي لفرض وقائع على الأرض.


في اتفاق القاهرة الأخير، كان التفاؤل سيد الموقف، على الرغم من أن الوقائع على الأرض كانت تشير إلى غير ذلك. 


وعندما أصبح الطرف المصري هو الراعي والمراقب وعامل الضغط، استبشر كثيرون، على اعتبار أن ما مضى لن يعود، ولكن للأسف مرة ثانية عدنا إلى المتاهة ولم نجد المخرج الحقيقي.


المشكلة الأساسية في المتاهة هي محاولة الأطراف الأساسية تحقيق معادلة شبه مستحيلة، هذه المعادلة قائمة على أساس: كيف نحصد كل شيء دون أن ندفع ثمنه، ودون أن نخسر شيئاً؟


حماس تنظر إلى المصالحة قبل كل شيء على أنها سلة خدمات أساسية لإعادة أوكسجين الحياة إلى غزة المحاصرة والمدمرة بفعل اعتداءات الاحتلال أولاً، وسيطرة الحركة بالقوة عليها. ومع تغير الوضع الإقليمي، وشحّ التمويل، إلى أقل من الحد الأدنى الذي يمكن فيه تسيير عجلة الحياة اليومية، أصبح الوضع كالحجر الملتهب، لا بد من التخلص منه، شرط ألا يحرق الحركة أو يساهم في إضعافها أو يتيح سيطرة حقيقية لأي قوة أو حزب آخر على قطاع غزة. المعادلة الحمساوية أساسها البحث عمن يقدم الخدمات إلى القطاع ويبقي الوضع الراهن كما هو، مع تنازل في الشكل دون المضمون. بمعنى مثلاً أنه لا مانع من وجود السلطة على المعابر مثل رفح أو إزاحة نقاط التفتيش عشرات الأمتار عن معبر بيت حانون أو السماح للوزراء بإدارة وزاراتهم، ولكن بموافقة مسبقة من حماس.


السلطة ترى في المصالحة عودةً بالأوضاع إلى ما قبل العام 2006، بمعنى أن تعود سيطرتها كاملة على القطاع، وألا تعمل كصراف آلي فقط، وربما هي غير قادرة فعلياً على تحمُّل أعباء أوضاع القطاع مالياً، سواء عشرات آلاف الموظفين الذين تم تعيينهم خلال السنوات الماضية، أو دفع تكاليف المياه والكهرباء والصحة والتعليم.


السلطة ترغب في ألا يكون لقوة حماس العسكرية أي دور في إدارة قطاع غزة، حتى السلاح يجب أن يكون القرار فيه وطنياً وليس حزبياً أو فئوياً. 


أما الحكومة من جهتها، فهي ضائعة بين التمكين وعدم التمكين، بحيث أصبح مصطلح التمكين نفسه غير معروف، لأن كل جهة تفسر هذا المصطلح وفق ما تراه، أو كما يتناسب مع تطلعاتها.


مما لا شك فيه أن التمكين المطلق الذي تبحث عنه الحكومة لا يمكن أن يتحقق، خاصة في المجال الأمني، أو سيطرة حماس الأمنية على القطاع، لأن ذلك يعني من وجهة نظر الحركة إنهاء دورها وتصفيته بشكل كامل. وهذا مستحيل أيضاً.


حماس من جهتها، تعتبر أنها مكنت الحكومة من كل شيء وأن الحكومة لم تقم بدورها المنتظر. ابتداءً من الكهرباء وليس انتهاءً بأحواض الصرف الصحي.


المشكلة الحقيقية في متاهة المصالحة أن الجميع لم يعد ينظر إلى هذه المأساة من زاوية الوطن الجامع والقضية الفلسطينية التي أصبحت في مهبِّ الرِّيح. ولم يعد ينظر إلى أن مصلحة الشعب الفلسطيني تعلو على كل شيء. وأن الوضع الذي وصلنا إليه لا يحتمل بالمطلق التجزئة أو الانقسام.


وبناءً على ذلك، إن لم تتنازل القوى والأحزاب عن مصالحها الذاتية من أجل الوطن والشعب فإنها ستكون سبباً في ضياع الوطن والشعب؟!


ajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد