205-TRIAL- هذه الأيام تذكرنا بالأيام التي سبقت اندلاع الانتفاضة الثانية، من حيث التوتر والغضب مع فارق كبير في النسبة لصالح هذه الفترة. ففي عام 2000 في شهر تموز عقدت قمة كامب ديفيد بين الرئيس ياسر عرفات رحمه الله ورئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود باراك بحضور الرئيس الأميركي بيل كلينتون، وبسبب غباء باراك الذي أراد تمرير تسوية لا تتناسب مع الحد الأدنى للإجماع الوطني الفلسطيني انتهت القمة إلى الفشل وسادت بعدها حالة من الإحباط والتوتر، حتى جاءت زيارة شارون للأقصى التي فجرت الموقف وقادت إلى اندلاع الانتفاضة، في شهر تشرين الأول أي بعد ثلاثة شهور على كامب ديفيد، مع أن المفاوضات استمرت بشكل أو بآخر بل حققت بعض التقدم. وسرعان من انزلقنا نحو استخدام السلاح والتفجيرات وحالة الفوضى العارمة التي أفقدتنا كل شيء وأعادتنا إلى الوراء عقوداً وخلقت الظروف التي أدت إلى سيطرة " حماس " على غزة بقوة السلاح والانقسام الذي لا نزال نعاني منه والذي على ما يبدو سيرافقنا لفترة طويلة قادمة.  وبعد فشل العملية السياسية ووصولها إلى طريق مسدود وخاصة بعد الجولة الأخيرة التي بادر إليها ورعاها وزير الخارجية الأميركي جون كيري والتي انتهت بسبب تملص الحكومة الإسرائيلية برئاسة بنيامين نتنياهو من التزامها بالإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، واستمرار سياسة البناء الاستيطاني والاعتداء على المواطنين والأراضي وحرق المساجد وعمليات تهويد القدس والاستفزازات الإسرائيلية في المسجد الأقصى، عدنا إلى حالة الاحتقان والتوتر من جديد ولكن بصورة أكثر شدة من الوضع الذي ساد عشية انتفاضة الأقصى. وحصلت صدامات وقتل متبادل وربما كانت عملية قتل وحرق الطفل محمد أبو خضير أبشعها، حتى وصلنا إلى عملية الأمس في كنيس "بني هالتوراة" التي ربما تؤشر لمرحلة جديدة من المواجهة بين الطرفين قد تقود إلى عودة الفوضى وفقدان القدرة على تحديد الاتجاه نحو تحقيق هدف الحرية والاستقلال. عندما حذرنا وكتبنا ضد الفوضى المسلحة في الانتفاضة الثانية، اعتبرت بعض الأصوات أن هذا موقف ضد المقاومة مع أن الجميع تقريباً، باستثناء الذين استفادوا سياسياً ومادياً من ذلك، وصل إلى استنتاج بأن كل من توقع النتائج المأساوية للفوضى كان محقاً. واليوم يبدو أننا نعود إلى نفس المربع مع فارق في الحدة والشدة والتجربة، وفي موقف السلطة التي كانت في عام 2000 تؤيد بطريقة أو أخرى الانتفاضة وبعض أعمال العنف بينما هي اليوم تقف ضد استخدام السلاح بصورة واضحة وقاطعة. عملية الكنيس تعتبر إشكالية لسببين: الأول أنها نفذت ضد مكان للصلاة وهي تتناقض في ذلك مع سبب جوهري في التوتر وهو السياسة الإسرائيلية ضد الأقصى والأماكن المقدسة، وهنا يظهر الفلسطينيون كمن يفعل ما يحتجون ضده ويكافحون لوقفه. والسبب الثاني هو أن الجماعة التي نفذت العملية ضدها هي جماعة أصولية تنتمي إلى "أغودات يسرائيل" وهؤلاء ليسوا متطرفين سياسياً، وأكثر من ذلك هم يعارضون ذهاب اليهود إلى المسجد الأقصى ويحرّمونه قطعياً. وهذا يظهر فقط رغبة في عمل شيء ما ضد الإسرائيليين اليهود دون التفكير في الهدف الذي يراد تحقيقه من هذا العمل. لا شك أن الفلسطينيين يجمعون على مقاومة الاحتلال والتصدي لسياساته، ولكنهم يختلفون على نوع المقاومة وعلى أمور أخرى مثل الزمان والمكان. فالرئيس أبو مازن وغالبية القيادات يؤيدون المقاومة الشعبية السلمية التي تنسجم مع النضال السياسي والدبلوماسي الذي يهدف إلى تجنيد المجتمع الدولي ضد الاحتلال والحصول على الاعتراف اللازم الذي يمهد لضغط دولي يجبر إسرائيل على الانسحاب والتسليم بالمطالب المحقة للشعب الفلسطيني. وهناك بالمقابل حركة "حماس" التي تريد خلق حالة من الفوضى في الضفة الغربية تؤدي إلى انهيار السلطة وخدمة مصالح الحركة بالسيطرة على الوضع هنا بحيث لا يختلف وضع الضفة عن غزة. وبعض الفصائل تحمل لواء المقاومة المسلحة ولا يهمها ماهي النتائج التي يمكن أن تترتب على الفوضى المسلحة المهم أن تجري مقاومة. الوضع على شفا الانفجار ويحتاج إلى نقاش وحوار داخلي معمق وصريح حول الأهداف التي نريد تحقيقها والسبل الكفيلة بتحقيقها: هل نريد فقدان السيطرة؟ هل نريد مقاومة محسوبة ؟ هل نريد دعم المجتمع الدولي والتأثير عليه أم أننا يئسنا من كل شيء ونريد العمل على طريقة "داعش" ؟ علينا أن نقرر برنامجنا وخطتنا للمستقبل القريب والبعيد وليس انتظار ما يمكن أن تقودنا إليه الأقدار وهنا يمكن أن تحدد مصيرنا مجموعة صغيرة هنا وهناك. لأننا لو تركنا الأمور على عواهنها سنجد أنفسنا في الوضع الذي كنا فيه في الانتفاضة الثانية التي بدأت بمقاومة ضد الاحتلال وانتهت بفوضى وسيطرة أصحاب المصالح والأجندات التي لا علاقة لها بتحرير الوطن على المجتمع وابتزازه لصالح جهات بعينها وجيوب بعينها بعيداً عن الأهداف الوطنية المعروفة والمتفق عليها. والفرصة لا تزال أمامنا حتى لا نفقد السيطرة ونبكي على الماضي ونترحم على ما كان لدينا، تماماً كما صحونا بعد أن سرقنا السكين في الانتفاضة الثانية ووجدنا أنفسنا أمام أجندة "حماس" من جهة وأجندة العصابات من جهة أخرى بعدما فقدنا خيرة شبابنا بين شهيد و أسير وفاقد للأمل، وضاع الحلم وكانت خسارتنا فادحة. هذه دعوة لكي نفيق ونحسب خطواتنا ولا تجرنا مشاعرنا وانفعالاتنا.

121

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد