بات واضحاً أن استمرار حكم الفلسطيني لنفسه تحت الاحتلال مستمر دون حتى وضع سيناريوهات أخرى مهما كلف الثمن، وبات واضحاً أن الخلاف في الساحة الفلسطينية لم يعد على أوسلو بل على توزيع وتقاسم منتجات أوسلو وهو الصراع الذي جرنا إلى الهاوية المستمرة بلا توقف في سلسلة الانهيارات التي تسير بخط متواصل.


ولطالما أن السلطة مستمرة دون تسليم المفاتيح لإسرائيل، وطالما أن هناك توافقاً بين حركتي فتح و حماس على بقائها والخلاف فقط حول نسب الحكم والتحكم فيها وأدوات السيطرة وتوزيع الثروة والراتب، فإن ذلك يجب أن يتم وفقاً للأصول المتعارف عليها فقد دخل أعضاء المجلس التشريعي هذا الشهر دورتهم الرابعة والمتواصلة دون توقف مع شلل كامل للمجلس أما الرئاسة فهي قبله بعام.


ليس المهم هنا كم من الوقت مضى أو سيمضي في تحطيم أرقام قياسية فقديماً كنا نسمع عن أعضاء برلمانات في العالم عندما يذكرون خبرته يقولون الى أنه استمر عضوا برلمانيا لأربع دورات متتالية أو خمس ويبدو أن أعضاء التشريعي لدينا سيحطمون أرقاماً قياسية أما الرئاسة فهي بنص القانون لدورتين فقط.


وليس المهم ما يحدث من حالة كاريكاتورية في علاقة الساسة بالقانون أو الالتزام بالمدة الزمنية أمام المواطن الذي أعطى التفويض لكن الأهم فهم المسؤول لطبيعة دوره ومكانته فلم نسمع حتى الآن بعد مضي كل هذه السنوات أن أقدم أحد الأعضاء المنتخبين قبل سنوات طويلة على تقديم استقالته احتراماً لمواطن كلفه لمدة أربع سنوات فقط.


قد يقول قائل إن هناك بنداً ينص على أن يسلم المجلس القديم لمجلس جديد وبذلك ينتهي التكليف، وفي هذا قدر من الإسفاف لأن مدة السنوات الأربع تحدد العلاقة بين المواطن والسلطة بينما النص المتعلق بالتسليم والتسلم هو نص بروتوكولي شكلي بين السلطة والسلطة ولأن كل شيء لدينا سطحي جداً فإن فهمنا للأمور وكذلك القانون بنفس المستوى، فأساس الانتخابات هو العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم ولأن النص محدد بأربع سنوات فمن الأفضل ألا تجري الانتخابات والتمسك بالبند البروتوكولي الشكلي في الدفاع أمام المواطن وهذا مريح لكل من جرى انتخابه ذات مرة. 


انهم يتقاتلون منذ أحد عشر عاماً ويتحاورون ويتناقشون ويختلفون ويتبادلون الاتهامات فيما بينهم، ولكن لا أحد يسأل عن رأي من يتقاتلون ليحكموهم، أنها المشكلة الحقيقية في ثقافة ممارسة السلطة ووعي المسؤول لدوره ووظيفته ونظرته للمواطن، وهنا فللمسألة جانب سيكولوجي عندما تختلف القوى والأحزاب حد العظم على حكم الشعب دون أدنى اعتبار لرأيه، هنا يكون منتج الوعي لدى الطبقة السياسية جزءا من ارث العصور الوسطى التي ترى في الشعوب كرعية أي أن المسؤول يقوم برعايتها وليسوا مواطنين كاملي الأهلية والنضج في تقرير مصيرهم. 


هذا ارث عصور قديمة عندما كانت الطبقة السياسية في تلك العصور وحدها تحظى بقدر من التعليم والمعرفة بينما بقية الشعوب من الفلاحين البسطاء عديمي المعرفة بالشؤون العامة، لذا احتكرت النخبة السياسية في اليونان مثلاً الحكم لها وقسمت المجتمع إلى ثلاث تقسيمات. لكن الشعوب اليوم ومنها الشعب الفلسطيني لديه من الكفاءة والنضج والوعي والسياسة بين أفراده ما يفوق الكثير من السياسيين الذين يديرون أموره وها نحن أمامنا حجم حصاد تلك الإدارة على امتداد السنوات الماضية سواء في السياسة أو في نظام الحكم.
هناك نحو 90 ألف شاب يدخلون سنويا السن الذي يعطيهم حق الانتخاب، وبهذا فإن مليون مواطن بالغ عاقل يساوون عدد الذين شاركوا في آخر انتخابات حرموا من حقهم هذا بل ويكيلون اتهامات لمن قبلهم بأنهم ورطوهم في هذه الخيارات، وهم محقون لأن ما نتج عن الانتخابات الأخيرة هو الأصعب في تاريخ الشعب الفلسطيني.


علينا أن نعترف أن الانتخابات ليست حلاً لكل أزمات الشعب الفلسطيني المركبة والذي أقام سلطة تحت الاحتلال وتلك سابقة في التاريخ وأصبحت نتيجتها معروفة وتمثلت بالتجربة التي امتدت على ما يعادل ربع قرن مضى منذ إقامة السلطة التي لم تنتقل للدولة بفعل تحكم الإسرائيلي بها، لن تحل الانتخابات تلك الأزمة المركبة ولكن على الأقل ربما تحاول فكفكة العقدة الداخلية المستمرة منذ أكثر من عقد وقد تضع حداً لنهاية الصراع على السلطة.


صحيح في عدم إجراء الانتخابات ما يعكس عدم اعتراف القوى السياسية الحاكمة بسلطة الشعب وقرار الشعب وحق الشعب وكل مفاهيم السياسة الحديثة التي أنتجها تطور المجتمعات وثوراتها ودماء أبنائها وكل ما يتعلمه طلاب السنة الأولى في العلوم السياسية في الجامعات، ولكن بكل الظروف فعلى الشعب مالك السلطة أن يفعل كل ما بوسعه للحصول على هذا الحق فليس من المنطقي أن نثق بقدرة هذا الشعب على انتزاع حقه في الدولة وتقرير المصير في الوقت الذي يعجز عن انتزاع أبسط حقوقه التي كفلها الدستور من سياسييه.


نحن في مأزق وقد تكون الانتخابات واحدة من بوابات الخروج المؤقت وخاصة أن الفشل المدوي على امتداد أكثر من عقد في عدم قدرة القوى على الالتئام بعد الشرخ الذي أصابها يدفعنا للبحث عن بدائل. وأول وأبرز تلك البدائل هي العودة للاحتكام للشعب من خلال الصندوق الذي قد يجد حلاً لأزمة النظام السياسي التي أدت إلى إحداث كل ما حدث وأنتجت هذا الشلل والذي تمثل بانتخاب رئيس من تيار وبرلمان بأغلبية من تيار آخر لم يتمكنا من التعايش فقام حزب الأغلبية بالبرلمان بانقلاب ليطرد سلطة الرئيس من غزة وهنا وقعنا جميعاً فيما لم يتصوره أحد.


قد ينتخب الشعب نظاماً يتمكن من التعايش بعد هذه التجربة المريرة أو قد ينتخب حركة فتح فله ذلك، أو قد ينتخب حركة حماس فله كامل الحرية، أما أن يستمر بالحجر على عقول البشر بهذا الشكل فهذه جريمة كبرى، ولو أن المواطن يعيش حياة كريمة كما في دول العالم ربما لكان الأمر أهون، لكنْ حياة بائسة ونظام ومؤسسات معطلة فتلك ذروة المأساة...!!!


Atallah.akram@hotmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد