2014/11/18
13-TRIAL-
في هذا الشهر، ويمكن في التاسع والعشرين منه، الذي يصادف ذكرى قرار التقسيم ويوم التضامن مع الشعب الفلسطيني، من المفترض أن يتقدم المندوب الأردني في الأمم المتحدة ممثلًا لفلسطين والمجموعة العربية بالطلب إلى مجلس الأمن للتصويت على مشروع قرار يطالب بإنهاء الاحتلال خلال مدة محددة.
بغض النظر عن مصير الطلب، وهل سيحظى بالأصوات التسعة المطلوبة حتى يتم التصويت عليه، وهل ستستخدم الولايات المتحدة الفيتو أو تمتنع عن التصويت، خصوصًا إذا أجرت تعديلات على النص تفرغه من مضمونه يوافق عليها الجانب العربي أو لم يوافق؛ وجدت من المفيد استعراض مسيرة ما يسمى "عملية السلام" منذ انهيار "كامب ديفيد" وحتى الآن.
منذ أيار 1999، وهو موعد انتهاء الفترة المحددة في "اتفاق أوسلو" للتوصل إلى اتفاق سلام نهائي، وبعد فشل وانهيار قمة "كامب ديفيد"؛ اندلعت الانتفاضة الثانية التي أرادها الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي كل واحد منهما لتحقيق أهدافه. فشن أيهود باراك العدوان وغطى على زيارة شارون الاستفزازية التي كانت الشرارة التي أشعلت الانتفاضة، وارتكب مجزرة في الأيام الأولى لاندلاعها. كما دعم ياسر عرفات الانتفاضة، لأنه وجد فيها وسيلته لتحسين شروط المفاوضات بما يسمح للتوصل إلى اتفاق تَعَزَّزَ التوصل إليه في قمة "كامب ديفيد" .
وبعد اغتيال ياسر عرفات مسمومًا، حاول الرئيس أبو مازن أن يسلك طريقًا مختلفًا عن سلفه، في محاولة لتحقيق ما عجز عن تحقيقه؛ فقام بإعادة إنتاج طريق المفاوضات الثنائية برعاية أميركية، وأبدى مرونة فاجأت الجميع، وطبق "خارطة الطريق" الدولية بشكل أحادي، أي من دون ربط تطبيقها من الجانب الفلسطيني بتطبيق مقابل للالتزامات الإسرائيلية، ووافق على المشاركة في "قمة أنابوليس" في نهاية العام 2007، وخاض مفاوضات مع رئيس الحكومة الإسرائيلية أيهود أولمرت من دون التزامه بوقف الاستيطان ولا بمرجعية واضحة وملزمة للمفاوضات، وسقط أولمرت على خلفية الفساد والفضائح التي لاحقته.
كما وافق أبو مازن على استئناف المفاوضات "التقريبية" بعد "قمة واشنطن" في العام 2010 بعد مسرحية التجميد الجزئي والمؤقت للاستيطان، ثم جرت المفاوضات "الاستكشافية" في عمان في مستهل 2011، إلى أن جرب جون كيري حظه لمدة تسعة أشهر من دون جدوى، ولا زال يحاول استئناف المفاوضات حتى الآن.
لقد أفشلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة المفاوضات لأنها لا تريد تسوية، وإنما فرض الحل التوسعي الاستيطاني العنصري الذي لا مكان فيه لقيام دولة فلسطينية، بينما استمر الجانب الفلسطيني بالوفاء بالتزاماته السياسية والأمنية والاقتصادية، حتى في الأوقات التي كانت المفاوضات متوقفة، وحتى أيضًا أثناء الهجمات الإسرائيلية العدوانية العسكرية على قطاع غزة في الأعوام (2008- 2009، و2012 و2014). كما استمرت اللقاءات السرية في محاولة للنجاح فيما لم تنجح فيه المفاوضات العلنية.
خلال هذة الفترة الطويلة العريضة توسع الاستيطان وتضاعف عدة مرات، لدرجة أصبح عدد المستوطنين أكثر من 750 ألف مستوطن، وسنت إسرائيل السياسات والقوانين العنصرية التي تعمق احتلالها، ومضت في تهويد القدس وأسرلتها، بما في ذلك المساس بالمقدسات وتنفيذ كل الإجراءات الرامية إلى طرد السكان، ومضت في سياسة الفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة التي بدأت فيها منذ العام 1991، وصولًا إلى فك الارتباط وإعادة نشر قواتها، إذ أبقت على حصارها واحتفظت بحقها بشن الحروب والاقتحامات والاغتيالات وارتكاب كل أنواع الجرائم متى أرادت، واستكملت تقطيع الأوصال وبناء الجدار في الضفة.
كل ما سبق دفع أبو مازن إلى التفكير والشروع في خيارات أخرى من دون قطع الصِّلة بخيار المفاوضات الثنائية، فرفض استئناف المفاوضات بعد فشل مهمة كيري حتى الآن، لأن المحاولات لاستئنافها مستمرة، وقدم في العام 2011 طلب الانضمام للعضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن، وعندما لم يُستَجب للطلب الذي لم يحصل على الأصوات التسعة المطلوبة للتصويت عليه، مع أنه كان سيواجه بالفيتو الأميركي إذا توفرت الأصوات المطلوبة؛ قدم طلب الحصول على العضوية المراقبة وصوتت 138 دولة لتصبح فلسطين دولة معترف بها من الأمم المتحدة، ما يوفر لها مزايا سياسية وقانونية لا يمكن الاستهانة بها، ولكنها لا تسمح بإقامة الدولة فعلًا على أرض فلسطين.
هذا الهدف الذي لا يمكن تحقيقه من دون إنهاء الاحتلال. وإنهاء الاحتلال لا يمكن تحقيقه إلا بتغيير موازيين القوى يصبح الاحتلال مكلفًا لإسرائيل ولمن يدعمها، خصوصًا الولايات المتحدة الأميركية.
إن الإنجازات الرمزية المتمثلة بالقرارات الدولية التي تنتصر للقضية الفلسطينية وتعترف بالدولة الفلسطينية التي صدرت أو يمكن أن تصدر لاحقًا، على أهميتها، لا يمكن أن تؤدي إلى إقامة الدولة، بل يمكن أن تغطي - إذا لم تكن جزءًا من مقاربة شاملة جديدة مختلفة عن المقاربات التي اعتمدت سابقًا - على ما يجري على الأرض من تصفية شاملة لكل الحقوق الفلسطينية التي هي أكبر بكثير من مجرد إقامة دولة على الضفة والقطاع، بما فيها المصادرة الفعلية لأي إمكانية لتجسيد الكيانية الوطنية الفلسطينية على آرض فلسطين.
يكمن الخلل الرئيسي في تصور إمكانية تحقيق تسوية تحقق الحد الأدنى من الحقوق الفلسطينية من خلال المفاوضات والوسائل السلمية والديبلوماسية، والمراهنة على الولايات المتحدة التي ترتبط بعلاقات عضوية إستراتيجية مشتركة تستند إلى التقاء المصالح والأهداف، وعبر إظهار حسن السير والسلوك وإثبات الجدارةت وتطبيق الالتزامات المشتركة من جانب واحد.
لا يمكن تغيير الخلل من خلال الجمع بين المتناقضات ولا بإجراء إصلاحات وتغييرات بسيطة، إذ يتم التهديد بالمصالحة الوطنية المفترض أن تكون ويتم التعامل معها كضرورة وليس مجرد خيار يستخدم كتكتيك لتحسين شروط استئناف المفاوضات. أو من خلال التهديد بالمقاومة الشعبية أو المقاطعة، مع الإعلان عن رفض اللجوء إلى الانتفاضة أو بتقديم مشروع قرار لمجلس الأمن منذ عدة أشهر بدلًا من الانضمام الفوري لمحكمة الجنايات الدولية ووقف التنسيق الأمني، ضمن خطة تستهدف التحرر الكامل من جميع التزامات أوسلو، بما فيها الاعتراف المشؤوم بإسرائيل من دون اعترافها بأي حق من الحقوق الفلسطينية، بما في ذلك عدم الاعتراف بإقامة الدولة الفلسطينية.
نقطة البدء تتمثل في قطع الحبل السري الذي لا يزال يربط القيادة، وتحديدًا الرئيس أبو مازن، باتفاق أوسلو والمفاوضات الثنائية وبالمحاولات الأميركية المستمرة لاستئنافها، بالرغم من أن إسرائيل تجاوزت هذا الاتفاق منذ اغتيال إسحاق رابين على أقل تقدير، إذا لم يكن قبل ذلك، وتريد المفاوضات الثنائية للتغطية على ما تقوم به من استكمال لفرض أمر واقع احتلالي استيطاني استعماري، وكذلك لقطع الطريق على اعتماد خيارات أخرى، وعلى المحاولات الرامية لمقاطعتها وعزلتها وفرض العقوبات عليها.
لا يمكن الجمع بين الجنة والنار، بين أوسلو وطريق تغيير موازين القوى. فالمطلوب ليس تغييرًا بسيطًا يمكن تحقيقه بعد أسابيع أو أشهر قليلة، بل تغييرًا يحتاج إلى نضال متعدد الأشكال طويل الأمد، بمعنى أنه يمكن أن يستغرق سنوات لكي يكون كفيلًا بإحداث تغييرات جوهرية تجعل التسوية ممكنة.
النقطة الثانية المهمة جدًا، إعطاء الأولوية المستحقة لجهود إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة وتغيير القواعد المعتمدة لإنجازها، لأن تأجيل القضايا الجوهرية مثل منظمة التحرير والبرنامج السياسي والأمن والمشاركة السياسية، ومحاولة كل طرف القيادة وحده وإقصاء الطرف الآخر، أو التعامل معه كأقلية لا تهدد قيادته؛ لا يحقق الوحدة، بل يهدد إمكانية تحقيقها. وهذا الهدف وكل الأهداف بحاجة، حتى تتحقق، إلى ضغط شعبي قوي ومتصاعد قادر على فرض الإرادة الشعبية على الطرفين المتنازعين.
النقطة الثالثة المهمة، اعتماد إستراتيجيات متعددة تسير جنبًا إلى جنب بشكل متواز ومتزامن، بحيث يستمر العمل من أجل الاعتراف بالحقوق وبالدولة الفلسطينية، سواء من الدول مجتمعة أو منفردة، والعمل لتطبيق القرارات الدولية التي تدعم القضية الفلسطينية، والسعي لإصدار قرارات جديدة في نفس الوقت الذي يتم فيه توقيع كل الاتفاقيات الدولية والانضمام لكل الوكالات الدولية، خصوصًا محكمة الجنايات الدولية، مع الاستعداد للمشاركة في مفاوضات تعقد في إطار دولي، وعلى أساس أن هدفها المعلن إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية وبقية الحقوق المقرة في القانون الدولي والقرارات الدولية.
ما سبق لا قيمة حقيقية ملموسة له إذا لم يستند إلى إستراتيجيات تهدف إلى توفير مقومات الصمود والتواجد الفلسطيني على أرض فلسطين، وقادرة على توحيد جهود وطاقات الشعب الفلسطيني أينما تواجد في إطار مقاومة تحتفظ بحق الفلسطينيين بالمقاومة بأي شكل وفق ما تتطلبه المصلحة، وما تقره جبهة مقاومة وطنية مشتركة من دون خشية، بل مع استعداد للحظة الفاصلة التي ستندلع فيها انتفاضة شاملة قادرة على الانتصار. فالمطلوب توفير شروط انتصار الانتفاضة القادمة، بما فيها الحؤول دون انزلاقها إلى الفوضى عبر توفير روافعها السياسية والاقتصادية والتنظيمية، وليس الاستمرار بالتحذير منها، لأنها إذا اندلعت من دون قيادة ولا هدف ولا تنظيم ولا جبهة وطنية فلن تحقق المرجو منها. 56
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية