سواء أصرت الإدارة الأميركية على موقفها بطرح ما تسميه صفقة العصر للتوصل إلى حل سياسي في المنطقة أساسه الصراع الفلسطيني ـ الإسرائيلي، أو تراجعت عن المضي قدماً في هذه الخطة، فإن ترامب حسم 4 قضايا رئيسة من قضايا الحل النهائي وهي: القدس ، اللاجئون، الحدود، الأمن. 


بالنسبة للقضية الأولى، فإن الرئيس الأميركي - وبدعم من اللوبي الصهيوني واليمين الأميركي خاصة المسيحي المتصهين - حسم قضية القدس، عندما خالف رؤساء الولايات المتحدة خلال العقود الماضية وأقر نقل السفارة السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس وزاد على ذلك اعترافه بالمدينة المحتلة عاصمةً لدولة الاحتلال. 


حاول بعض القادة الأميركيين التلاعب بالكلمات، بادعاء أن ترامب لم يحدد حدود القدس، على أمل أن تبقى هناك نافذة أمل صغيرة «للضحك» على الفلسطينيين أو بعض العرب «السذج». ولكن هذا لم يدم طويلاً، فعندما زار نائب الرئيس الأميركي مايك بنس إسرائيل الشهر الماضي أعلن صراحة أن قضية القدس قد حسمت، وأنها أصبحت خارج إطار المفاوضات. ومن ثم أعلن الرئيس الأميركي خلال لقائه رئيس وزراء دولة الاحتلال بنيامين نتنياهو على هامش منتدى دافوس الاقتصادي في سويسرا في الخامس والعشرين من كانون الثاني الماضي أن القدس باتت خارج المفاوضات.


كلام ترامب وبنس واضح، لا تأويل فيه.. قضية القدس انتهت ولا مجال أن تكون ضمن إطار أي مفاوضات مستقبلية برعاية أميركية، والأوقح من ذلك الادعاء المضحك أن عقدة المفاوضات وتوقفها كان بسبب القدس، وأن حل هذه العقدة سيجعل طريق المفاوضات سهلة أكثر.. لا ندري إن كان هذا يدل على غباء أم عن جهل بواقع المنطقة.


القضية الثانية، هي قضية اللاجئين، فقد بدأت تظهر علامات حسم هذه القضية مع فوز ترامب أيضاً، بعد أن بدأت التصريحات الإسرائيلية المطالبة بتصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين « الأونروا » لاعتبارات كثيرة أهمها أن الوكالة هي التي أبقت على قضية اللاجئين الفلسطينيين حية لثلاثة أو أربعة أجيال متعاقبة، وهذا غير مسبوق في العالم. ولذلك يرى ترامب ومن ورائه إسرائيل أنه لا بد من تصفية الوكالة تمهيداً لإنهاء قضية اللاجئين.


ترامب ومستشاروه «الإسرائيليون الأكثر من الإسرائيليين» شرعوا أيضاً في اتخاذ خطوات فعلية في هذا الاتجاه، بذريعة جلب الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات، أو كنوع من العقاب للسلطة على مواقفها، فأعلنت الإدارة الأميركية خفض مساهمتها بشكل كبير في ميزانية وكالة الغوث ما تسبب بمشاكل كبيرة، واضطر الوكالة إلى الإعلان عن وقف بعض خدماتها في مناطق وجودها في لبنان وسورية والأردن وفلسطين.


ما تمر به وكالة الغوث هو القطرة الأولى من فيضان تصفيتها ربما على المدى المنظور، من خلال خلق أزمة مالية بحيث لا تستطيع هذه الوكالة الدولية القيام بواجباتها، ما يعني تصفية حقيقية لها، وربما أكثر من ذلك اتخاذ قرار أممي بهذا الاتجاه، ما يعني إنهاء قضية اللاجئين، والعمل على إعادة توطينهم في الشتات ودول المهجر البعيدة.


القضية الثالثة، هي قضية الحدود والاستيطان.. الإدارة الأميركية ومنذ بداية الحملة الانتخابية لترامب لم تدن الاستيطان ولم تعلن عن رفضها له.  وعلى العكس من ذلك، كانت هناك تصريحات علنية لأقطاب إدارة ترامب تؤكد شرعية الاستيطان وحق إسرائيل في الاستيطان في كل مكان تحت سيطرتها. 


ولا بد هنا من التذكير بأن ثلاثة من مستشاري ومساعدي ترامب هم على يمين قادة المستوطنين ويفتخرون بأنهم جزء من الاستيطان في الأراضي الفلسطينية، وعلى رأسهم السفير الأميركي في تل أبيب.


الخطوة القادمة لإدارة ترامب والتي تتبلور بشكل بطيء وبضغط من نائب الرئيس الأميركي وجماعته من اليمين المتصهين الأميركي هي الاعتراف بضم إسرائيل للكتل الاستيطانية والمستوطنات الكبيرة في الضفة الغربية والتي تسيطر على أكثر من ربع مساحة الضفة الغربية. وفي حال ضمها فإن ما تبقى من أراض بالضفة الغربية سيكون على شكل «غيتوهات» مغلقة لا يمكن أن تكون دولة بالمفهوم السياسي الحديث، وإنما مسخ على شبه سلطة لحكم ذاتي محدود.


أما القضية الرابعة، فهي قضية الأمن من خلال إصرار إدارة ترامب على أن تكون إسرائيل هي التي تملك القدرة العسكرية للدفاع عن المنطقة، ولا بد من استمرار وجودها على طول الحدود الشرقية بما فيها سفوح الجبال الغربية، أما الفلسطينيون فلهم قوة شرطية محدودة من أجل الحفاظ على أمنهم الداخلي فقط.


بناء على ذلك، فإن إدارة ترامب قد حسمت كل القضايا النهائية، والمطلوب من الفلسطينيين التوقيع عليها من أجل أن يتواصل سيل المساعدات المقدمة لهم. فهل من مقايض؟!!!!

abnajjarquds@gmail.com

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد