يبدو أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، الذي اعتاد أن يشتري كل ما يريد بالمال، يجد صعوبة في إدراك استحالة أن يبيع الفلسطينيون عاصمتهم الأبدية القدس أو حقوقهم الوطنية مقابل المال، أو مقابل الحصول على مساعدات إدارته، التي تعتبر ضئيلة جدا بالمقارنة مع ما تدفعه الولايات المتحدة لإسرائيل.
ولعل مستشاريه بالغوا في وصف التأثير الذي يمكن أن يحدثه قطع المساعدات المالية عن الفلسطينيين ، ربما لأنهم تناسوا أن كل المساعدات الخارجية التي تأتي للسلطة الفلسطينية بما فيها المساعدات الأميركية والأوروبية والعربية لا تتجاوز 16% من مجمل الموازنة الفلسطينية، في حين يدفع الفلسطينيون من ضرائبهم وعرق جبينهم 84% من ميزانية السلطة.
أو لعلهم تناسوا أن أكبر مستفيد من المساعدات الأميركية هي إسرائيل، أولا لأنها مثل كثير من المساعدات تعفي إسرائيل من تكلفة الاحتلال، و ثانيا لأن الجزء الأكبر من هذه المساعدات يذهب للقطاع الأمني ، كما أن حوالي 50% من المساعدات التنموية يعود للولايات المتحدة كنفقات إدارية للشركات الأميركية أو كرواتب للمستشارين العاملين فيها.
وللمبالغة في إيذاء الفلسطينيين تمت معاقبة اللاجئين الفلسطينيين، ضحايا التطهير العرقي الإسرائيلي الذي جرى عام 1948، بقطع مخصصات عن وكالة الغوث الدولية التي تعنى بغذائهم وتعليمهم وصحتهم، وهو أمر ردت عليه دول محترمة كالسويد وبلجيكا بزيادة مساهمتها في ميزانية الأونروا .
لكن الأمر الأهم هو الانطباع الذي نشأ بأن إسرائيل تريد من جانب واحد وبالتنسيق الكامل مع إدارة ترامب ، فرض حلولها الخاصة والظالمة على الفلسطينيين.
وقد كانت تصريحات ترامب في دافوس، عندما قال أنه "باعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل أزال موضوع القدس الشائك عن طاولة المفاوضات"، قاطعة في تكذيبها للإدعاءات بأن حدود القدس ما زالت قابلة للتفاوض ، حتى بعد الإعلان عن الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
ترامب غاضب لأنه يشعر أن احترامه قد مُسَ بسبب رفض الفلسطينيين استقبال نائبه بنس، ولكنه لا يدرك أن قراره بشأن القدس مَسَ باحترام وكرامة كل فلسطيني صغيرا كان أم كبيرا، كما مَسَ كرامة كل مسلم، وكل مسيحي، وكل إنسان يؤمن بالعدالة وحقوق الشعوب.
الأمر الجوهري في كل ما يجري أن 25 عاما من اتفاق أوسلو ونهج المفاوضات قد انتهت إلى الفشل الكامل، وذلك لأن الحركة الصهيونية قررت ببساطة أن ترفض أي حل وسط مع الفلسطينيين حتى لو كان على حساب جزء كبير من حقوقهم، وأن ما سمي " بحل الدولتين" الذي تجرعه الفلسطينيون بمرارة ، مرفوض إسرائيليا جملة وتفصيلا.
وعندما يدور الحديث عن ضرورة حضور ممثلي السلطة الفلسطينية إلى الطاولة فإن المقصود ، ليس الحضور للتفاوض ، بل الحضور للاستسلام لنتنياهو وحكومته ، لأن من سيذهب لتلك الطاولة سيجدها فارغة، وهذا ما أكده نتنياهو عندما سئل بعد حديث ترامب عن التنازلات التي يمكن أن يقدمها مقابل حصوله على كامل القدس، إذ قال :"لا يوجد لدي تنازلات لأقدمها".
ما يجري اليوم يؤكد ما قلناه مرارا وتكرارا بأن كل مفاوضات، وكل عملية سياسية، يحكمها في نهاية المطاف ميزان القوى بين الأطراف المتصارعة.
ولذلك فإن الركض وراء محاولة خلق إطار تفاوض بديل للاحتكار الأميركي قبل تغيير ميزان القوى، لن يفيد بشيء، بالإضافة إلى أنه مستحيل بحكم أن إسرائيل لن تقبل وسيطا سوى الولايات المتحدة المنحازة لها، وما من بديل عن تبني إستراتيجية وطنية فلسطينية موحدة بديلة للنهج الذي لم ينجح.
لن يتحقق حلم نتنياهو بكسر إرادة الشعب الفلسطيني مهما فعل ، والقدس ليست للبيع، ولن تكون في أي يوم قابلة للبيع، غير أن المطلوب فلسطينيا تبني إستراتيجية بديلة لنهج التفاوض الذي فشل إذا أردنا أن يأخذنا العالم على محمل الجد، وأول المؤشرات على ذلك يجب أن يكون التطبيق الفوري والكامل لقرارات المجلس المركزي ، والإسراع دون تردد في توحيد الصف الفلسطيني في مواجهة مخاطر تصفية القضية الفلسطينية .
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية