انتهت أعمال الدورة الثامنة والعشرين للمجلس المركزي الفلسطيني، الذي سبق له أن أقر اتفاقية أوسلو، فكان عليه أن يطوي تلك الصفحة السوداء من عمر الشعب الفلسطيني. نحو ربع قرن من الزمان، مليئة بالآمال والأوهام، مليئة بالدموع والدم، وأرض وحقوق تنزف كان يمكن اختصارها قبل الكثير من السنين. تأخر الفلسطينيون في إدراك طبيعة وأبعاد المخطط الاستعماري الصهيوني، والوظيفة التي قامت بها بجدارة الولايات المتحدة، التي ما كانت يوماً ولا يمكن أن تكون دولة تعمل من أجل السلام والأمن الدوليين، أو تخالف طبيعتها الاستعمارية بمواصفات حديثة، وقدرات هائلة.


لا تتوقف السياسة الأميركية عند الحدود التي ظهرت في مواقفها المعلنة مؤخراً حين صادرت الحق التاريخي الفلسطيني في القدس ، وتتجه نحو إسقاط ملف حق اللاجئين في العودة، فيما تتكفل إسرائيل بإسقاط ما تبقى من الحقوق في الأرض، وفي الوجود الفلسطيني عليها.


 تقول "نيويورك تايمز" إن ترامب قدم أمام مؤتمر "ايباك" خطته ل صفقة القرن ، التي يسعى لفرضها بالقوة، بعد أن وهب ترامب القدس لدولة الابارتهايد، والارهاب، يرى بأن الفلسطينيين يجب أن يكون لهم دولة في سيناء وبحجم ثلاثين الف كيلو متر تستطيع استيعاب خمسة وعشرين مليوناً، ويتم تخصيص ثمانمائة مليار دولار لتعميرها لن تدفع منها الولايات المتحدة دولاراً واحداً.


هكذا بدأ ترامب تقديم رؤيته لدور الولايات المتحدة الأميركية للمنطقة، إذ سيترتب عليه أن يخلق ويغذي ويفجر المزيد من الصراعات الدموية التدميرية من جيوب العرب، وبأيد غير أميركية. يستدعي الأمر تصعيد التناقضات والصراعات بين الدول الإسلامية، واستنزاف مقدراتهم وثرواتهم في حروب لا تنتهي بينما تنتعش صناعة وتجارة أسلحة الدمار بما يعود بالفائدة على الولايات المتحدة. بعد أن قامت "داعش" بوظيفتها في العراق وسورية، وليبيا، مطلوب منها أن تنتقل بوظيفة مشابهة إلى مصر، وإلى السعودية وبقية دول الخليج العربي. لا جديد في التصريحات والمعلومات التي صدرت عن عديد المصادر الإقليمية والدولية، التي تشير إلى أن الولايات المتحدة أخذت توجه مقاتلي داعش وتسهل لهم الوصول عبر طرق مختلفة إلى سيناء.


ولا جديد في العروض التي قدمتها الولايات المتحدة لمصر التي رفضت تدويل مقاومة الارهاب في سيناء. قديم هذا المخطط الذي تعمل عليه الولايات المتحدة وإسرائيل، من أجل توطين الفلسطينيين في سيناء، ذلك المشروع الذي قاومته الجماهير الفلسطينية ورفضه الزعيم الراحل جمال عبد الناصر في أواسط خمسينيات القرن الماضي.


جزء من سيناء دولة للفلسطينيين، وفلسطين كلها دولة لإسرائيل، هذه هي رؤية الرئيس ترامب، والتي تقود السياسة الأميركية الإسرائيلية منذ بعض الوقت، ولوقت آخر. قد يعتقد البعض أن إسرائيل تسعى لفرض دولة فلسطينية في قطاع غزة ، بينما يتم إقصاء مليونين ونصف المليون فلسطيني في الضفة، وفق صيغة ما مع الأردن، لكن كل هذا سيكون جزءاً من المخطط وليس آخره.


وإذا استعدنا التصريحات التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين قبل أكثر من ثلاثة عقود، وأهمهم شارون، الذي لم يتوقف عن الحديث بأن الأردن هو الوطن البديل للفلسطينيين، فإن خيارات السياسة الأميركية الإسرائيلية تذهب في اتجاه فرض واحد من السيناريوهين، فدولة الفلسطينيين إما في سيناء، وإما في الأردن، وفي كل الأحوال فإن ما ظهر من السياسة الأميركية الإسرائيلية حتى الآن سواء من مواقف أو من وقائع على الأرض، فإن هذه السياسة لا تترك مجالاً لإحياء عملية سلام تقوم على أساس قرارات الأمم المتحدة ورؤية الدولتين، وبأن هذه السياسة تدفع الأمور نحو الصراع المفتوح على كل الأرض والحقوق الفلسطينية التاريخية.


بهذا المعنى يصبح التزام المنظمة والسلطة بعملية السلام ومبادرة السلام العربية، والبحث عن رعاية مختلفة، مجرد حديث علاقات عامة، ومادة للعمل السياسي، لإبقاء وتحسين التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني وحقوقه لا أكثر.


استناداً لمثل هذه القراءة العميقة، التي كانت بحاجة إلى حوار وطني فلسطيني متواصل وعميق، وربما بعيداً عن الأضواء، تصبح قرارات المجلس المركزي، أقل من مستوى التحديات الحقيقية التي تواجه الشعب الفلسطيني وحركته الوطنية.


غير أن ما يشفع للمركزي هذا المستوى من القرارات، يكمن في صعوبة إجراء انقلاب شامل وجذري في السياسات والاستراتيجيات، فضلاً عن الحاجة لإبقاء ظاهرة التضامن الدولي ولو بحدودها الدنيا مع الشعب الفلسطيني وحقوقه.


ثمة عامل آخر يتحكم في طبيعة القرارات، وهو أن الوضع الفلسطيني بما هو عليه على مختلف الصعد، لا يستطيع حمل الأعباء المترتبة حتى عن هذا المستوى من القرارات، فما بالنا لو أن المجلس اتخذ قرارات جذرية كما تطالب بعض الفصائل والقوى وحتى بعض الشخصيات الفاعلة؟


والحقيقة أن من يقرأ قرارات المجلس المركزي من ألفها إلى يائها سيجد فيها الروح الكفاحية، وروح التحدي والاستعداد للمجابهة، يصر البعض على أن يركز الاهتمام على الصيغة التي تتصل بالاعتراف بإسرائيل، أو تلك التي تتحدث عن التنسيق الأمني والتحلل من اتفاقية باريس الاقتصادية، لكن هذا التركيز يهمل بقية القضايا التي تشكل عنواناً للعمل الجاد خلال المرحلة المقبلة.


وحين تنقص البعض القدرة على محاكمة النصوص لأنها توفر الحد الأدنى من التوافق السياسي بين الكل الفلسطيني، فإن هذا البعض يذهب إلى التشكيك في الاستعداد وليس القدرة على التنفيذ، للتنفيذ مطلوب أن يتكاتف الجميع وأن تكون مهمة استعادة الوحدة أول وأسرع القضايا التي تستحق التنفيذ، فهل سيتحمل كل مسؤوليته إزاء ذلك؟

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد