لا شك أن القرارات التي خرج بها المجلس المركزي الفلسطيني على درجة كبيرة من الأهمية، وتتسم بواقعية ومسؤولية كبيرتين تجاه التحديات التي تعصف بالقضية الفلسطينية في أعقاب قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب الاعتراف ب القدس عاصمة لدولة إسرائيل والبدء بإجراءات نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس. ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى القرارات الخاصة بانتهاء المرحلة الانتقالية المتصلة باتفاق «أوسلو» وتعليق الاعتراف بدولة إسرائيل واشتراطه بالاعتراف بفلسطين وإلغاء ضم القدس الشرقية ووقف الاستيطان، والتأكيد على قرارات المجلس المركزي السابق في العام 2015 بوقف التنسيق الأمني، والالتزام بالمصالحة الوطنية، والذهاب نحو الاعتراف الدولي الكامل بدولة فلسطين في حدود العام 1967.


وبرغم بعض الأصوات التي تطالب بالمزيد، هناك ارتياح شعبي وفصائلي من هذه القرارات، وهناك غضب وقلق إسرائيلي من المرحلة المقبلة ومن احتمالات التطبيق. فمن وجهة النظر الإسرائيلية «اوسلو» ليس قائماً إلا في مسألة التنسيق الأمني والحفاظ على الأمن في مناطق السلطة ووجود سلطة فلسطينية تتحمل أعباء الشعب الفلسطيني، وتريح اسرائيل من القيام بمسؤولياتها كسلطة احتلال بموجب المعاهدات والمواثيق الدولية. والآن تحاول اوساط إسرائيلية التشكيك بقدرة القيادة الفلسطينية والرئيس محمود عباس على القيام بتنفيذ القرارات نصاً وروحاً، بل ويذهب المحللون إلى الادعاء بأن موقف الرئيس أبو مازن هو تعبير عن يأس فلسطيني والذهاب نحو الارتطام بالحائط.


وحسب المجلس المركزي من المفروض أن يشهد عام 2018 تطورات مهمة، منها إنجاز الوحدة الوطنية وانعقاد المجلس الوطني وإعادة تشكيله من جديد بمشاركة حركتي « حماس » و «الجهاد الإسلامي»، والتحضير للانتخابات العامة القادمة، وإعلان موقف واضح بشأن تعليق الاعتراف بإسرائيل ووقف التنسيق الأمني، والانضمام للقدر الأكبر من المنظمات الدولية والذهاب إلى مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة لطلب الحصول على العضوية الكاملة لدولة فلسطين تحت الاحتلال على أساس حدود الرابع من حزيران من العام 1967، والسؤال هنا: ماذا سيكون رد الفعل الإسرائيلي والدولي من التنفيذ الكامل لهذه الخطوات؟


إسرائيل لن تسلم بالوقف الفعلي للتنسيق الأمني وستقوم بمعاقبة السلطة على خطوة من هذا القبيل، والعقوبات قد تشمل المسؤولين في السلطة مثل سحب بطاقات الشخصيات المهمة، والتضييق على تنقل هؤلاء بما في ذلك إعاقة حركة قوات الأمن الفلسطينية بين المحافظات، وعلى الأغلب ستذهب نحو تعزيز دور الإدارة المدنية على حساب السلطة في التعامل مع حاجات المواطنين من تصاريح وغيرها، وبالمناسبة بدأت سلطات الاحتلال منذ فترة بتوسيع دور الإدارة المدنية. وقد تلجأ إسرائيل إلى تعطيل دفع أموال الضرائب التي تجبيها لصالح السلطة الوطنية، وربما تسريع رفع قضايا ضد السلطة وخصم تعويضات لإسرائيليين تحت حجج مثل دعم السلطة للإرهاب والتحريض والتشجيع عليه، بما في ذلك خصم مقدار رواتب أسر الشهداء والأسرى.


الولايات المتحدة من جهتها ستذهب نحو تخفيض الدعم المقدم للسلطة وربما قطعه نهائياً، وستحاول قطع الطريق على التوجه الفلسطيني للمنظمات الدولية بما فيها استخدام حق النقض بصورة دائمة في مجلس الأمن ضد أي مشروع قرار فلسطيني، وستضاعف تهديداتها للدول التي تؤيد المواقف الفلسطينية على الرغم من الفشل الذي يرافق مثل هذه الضغوط، وقد تقدم إغراءات كبيرة لدول صغيرة للقيام بنقل سفاراتها إلى القدس.


أما أوروبا فهي على النقيض، وقد يشهد عام 2018 اعترافاً أوروبياً متزايداً بدولة فلسطين على الرغم من رغبة الدول الأوروبية الكبرى في عدم إلغاء اتفاق « أوسلو» والحفاظ على الوضع القائم مقابل خطوات أوروبية باتجاه الفلسطينيين. وبشكل عام الموقف الأوروبي هو ايجابي بصورة عامة ولصالح حقوق الشعب الفلسطيني ويتناقض مع المواقف والمغامرات الأميركية.


لكن هل نحن فعلاً جاهزون لتطبيق قرارات المجلس المركزي والبدء فوراً بإنجاز عملية المصالحة والوحدة الوطنية قبل أن نتوجه للأشقاء العرب وللمجتمع الدولي لدعمنا؟
من الواضح أن الإجابة على هذا التساؤل لا تزال في علم الغيب أو على الأقل غير واضحة، فلا تزال المصالحة متعثرة، وهناك مشكلة في تمكين حكومة الوفاق من القيام بمهماتها وخاصة في موضوعي الجباية والتحكم بالكادر الوظيفي، ولا تزال السلطة على موقفها من القيام برفع الإجراءات العقابية والتباطؤ في حل مشكلة موظفي «حماس». وعندما تحل هذه المشاكل وتتقدم العملية نحو الوحدة الكاملة، سيكون علينا حل مشكلة المواقف العربية المترددة والتي بعضها يتساوق مع الموقف الأميركي. وفي كل الأحوال الموقف الفلسطيني والقرارات الواضحة والحاسمة يمكنها أن تساعد في تحصيل الدعم الإقليمي والدولي، ولا بد هنا من عدم الخوف من مواقف إسرائيلية متطرفة أكثر مما هي عليه الآن، فلا تزال هناك مخاوف حقيقية إسرائيلية من انهيار الأوضاع في قطاع غزة ، فما بالنا في الضفة الغربية؟.


نحن أمام مرحلة مصيرية ينطبق عليها بحق مبدأ «نكون أو لا نكون» فلم يعد هناك ما نخشى عليه بعد الإصرار الإسرائيلي على المضي قدماً في الاستيطان والتهويد والضم وتجاهل كل القرارات والمرجعيات الدولية، وبعد الموقف الأميركي المشؤوم والعبثي وانهيار الإطار التقليدي للعلمية السياسية. ومع ذلك يجب أن نقيس خطواتنا بدقة ونزينها بميزان الذهب، فلا يوجد مجال للمغامرة والمقامرة، بل لخطوات موزونة ومدروسة وتدريجية واثقة.

جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية

اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد