القضية الفلسطينية تمر بأخطر مراحلها حقيقةً، والإشكاليات التي تواجه الفلسطينيين ليست داخلية فحسب وإنما دولية وإقليمية.. الموقف الأميركي برئاسة دونالد ترامب منحاز بشكل كامل وإصرار تام إلى دولة الاحتلال... والدعم العربي الرسمي لفلسطين متأرجح وفي بعض الأحيان يصل إلى أكثر من ممارسة الضغط.
الانقسام الداخلي أصبح مزمناً نتعايش معه بالمسكّنات، وفرص المصالحة تنطلق بقوة ثم تخفت تدريجياً حتى تنطفئ وتعود إلى المربع الأول.. وهذه حقيقة أخرى.
أمام هذه الحقائق المتدحرجة وموجة الضغط اللامتناهية سواء من الخارج أو الداخل.. كيف يبدو وضعنا الفلسطيني، وهل من مخرج؟ وهل من منقذ في مرحلة الطوفان السياسي التي نعيشها اليوم؟ الإجابة، أيضاً، تبدو متأرجحة بين نعم أو لا أو حتى "لعم".
في المقام الأول، حتى نخرج بسلام من المفترق الذي نحن أمامه لا بد من التأكيد على مجموعة من النقاط وهي: أن المصالحة الوطنية إن لم تنجز في أسرع وقت ممكن فإن من الصعب علينا اجتياز الطوفان السياسي بسلام.
وعن كيفية الخروج من هذه الدوامة، لا بد من التأكيد على أن إدارة المصالحة رغم حسن النوايا في كثير من الأحيان لم تنجح حتى اليوم، وتبدو عناصر الفشل والانهيار أكثر من عناصر البناء والنجاح وإن نجحت محاولات وضع الأسس.
لنكن واقعيين، فهناك بعدان لفشل إنجاز المصالحة، وهما الوضع الاقتصادي والحزبي. حيث أصبح واضحاً أن من المستحيل أو الصعب جداً أن نواصل المصالحة دون حل الإشكاليات الاقتصادية للمواطنين.. ومن هذه المشاكل طبعاً قضية الموظفين في القطاع العام والبطالة.. ولهذا فإن البحث عن حلول خلّاقة لحل الأزمة الاقتصادية للمواطن سيكون لبنة أساسية في عملية المصالحة وليس عامل هدم كما هو حاصل اليوم.
الحلّ الخلّاق على سبيل الاقتراح.. لنجلس جميعاً ونبحث إمكانياتنا المالية والاقتصادية بشكل صريح ولنحاول تقسيم دخلنا جميعاً بطريقة مرضية وليست عادلة، لأن العدل لا يعني هنا المساواة المطلقة في الدخل أو المجهود.. ولكن أن نحدّ من البطالة ونقسّم لقمة العيش، وهذا ممكن.
الأمر الثاني، الخلاف الحزبي، وهو قائم على لغة المصالح... والاستقطاب الثنائي الأساسي، أيضاً، قائم على لغة المصالح، فكثير من الحزبيين في الضفة والقطاع انتماؤهم الحزبي قائم على لغة المصلحة وليس على أساس عقائدي.. وعندما تتأثر المصلحة سنرى ذوباناً تدريجياً للاصطفاف الحزبي.. فمثلاً الباحث عن عمل أو وظيفة، أو مشروع صغير أو كبير، أو منحة دراسية أو سفر للخارج يلتحق سياسياً بالحزب الذي يعتقد أنه سيقدم له مصالحه. وجوهر الوضع تتحمله القيادة التي يجب عليها أن تعلو فوق مصالحها إلى مصلحة الوطن.. إذا ما تحققت هذه الرؤية فستكون فرصة النجاح أفضل بكثير.
على مستوى الاحتلال، واضح أن حكومة نتنياهو هي الأكثر تطرفاً، وهي حكومة مستوطنين بامتياز، ونتنياهو الضعيف والغارق هو وعائلته في الفساد لن يتمكن من الوقوف في وجه الاستيطان، بل أصبح جزءاً من المنظومة المشجعة، لأن القاعدة الاستيطانية هي التي تدافع عنه اليوم.
في تعليقات الصحافة الإسرائيلية تساؤل لأولئك العنصريين والمتطرفين من المستوطنين الذين يغتصبون الأرض والعقارات الفلسطينية حتى الخاصة ويقيمون البؤر العدوانية بين الفلسطينيين.. كيف لفلسطيني تنتزع أرضه وتهدر كرامته، ويعاني ليل نهار من هذا الاستيطان أن يقبل به.. الحل بسيط أبعدوا الاستيطان والمستوطنين عن الفلسطينيين وستحل المشكلة.
في البعد العربي: الموقف العربي اليوم هو الأضعف بل إن كثيراً من الأنظمة أصبحت مواقفها أقرب إلى الموقفين الأميركي والإسرائيلي.. وهي مؤثرة وقادرة على الفعل وخاصة في مجال المساعدات المالية والاقتصادية، ولهذا يجب أن يعاد التركيز الجماهيري الفلسطيني على العامل الجماهيري العربي.. وربما كان لقرار ترامب العدواني نفع لجهة إعادة تجميع الرأي الشعبي العربي الإيجابي تجاه فلسطين، وإعادة القضية الفلسطينية إلى موقعها المتقدم.. فهذه الانتفاضة الجماهيرية العربية وإن كانت محدودة زمنياً لجمت النظام العربي عن فرض التنازلات على الفلسطينيين، وجعلت النظام العربي ظاهرياً مجمعاً على الثوابت الفلسطينية.
إذن وبصرف النظر، أيضاً، عن الضغط الأميركي، فإنه لا يمكن لأحد أن يفرض حلاً على الفلسطينيين، والواقع الذي يخلقه الاحتلال اليوم هو نفي "حل الدولتين"، أي بمعنى "الدولة الواحدة" القائمة على الفصل العنصري وعلى التطهير العرقي، هذا الأمر قد ينجح لسنة أو عشر سنوات، ولكن العالم كتلة متغيرة، والمواقف الدولية، أيضاً، ليست ثابتة، وبالتالي أصبح صمودنا هو قوتنا، وعدم تنازلنا هو استمرار لبث الروح في قضيتنا. مفترق الطرق الذي نحن أمامه يوجد له فقط اتجاهان إما التوقيع في سبيل مصالح مالية واقتصادية وقيادية واهمة، وإما الإبقاء على القضية حية نابضة، إذا لم يوجد من هو قادر على فعل التحرير في هذا الجيل.. فليحمل الراية الجيل القادم أو الأجيال القادمة والنظرية التاريخية لن تفشل في هذا الأمر.!!!
ajjarquds@gmail.com
جميع المقالات تعبر عن وجهة نظر أصحابها وليس عن وجهة نظر وكالة سوا الإخبارية