سابقة بالمنطقة العربية
بالصور: غزة تعالج الصدمات بمهارات العقل والجسم واليوجا
بحثا عن الاتزان النفسي، لجأت "أحلام" إلى ممارسة "اليوجا" ومهارات العقل والجسم، وتطور الأمر لاحقا، فأصبحت "مُيسرة" تساعد أطفال ومراهقي غزة ممن التحقوا في المركز الأول لتلك الرياضة العلاجية بالوطن العربي.
"اليوجا" رياضة هندية المنشأ، لا تستخدم فيها أي أجهزة، وتعني علميا، وحدة الفكر، لكن ليس لها أي علاقة بدين ولا تقيدها أيه قوانين، بينما "العقل والجسم" هي مهارات جمعية تعتمد على استثمار طاقات العقل للتأثير إيجابا بالجسم، والعكس، إذ تسهم في تحسين إدراك الذات، وتقديم الرعاية الذاتية؛ للتعامل بشكل أساسي مع تبعات الصدمات النفسية.
الشابة "أحلام" أكدت أن ممارستها لليوجا والمهارات العقلية الجسمية، أثرت بشكل كبير على شخصيتها، وساهمت في تهدئة جسمها وأعصابها، وتطوير علاقاتها مع الآخرين.
وتلقت "أحلام" قبل أن تصبح مُيسرة (مدربة) العديد من المهارات العملية على أيدي مدربين أكفاء، كالتأمل والتخيل والتحفيز الذاتي والاسترخاء والرسومات ومسح الجسم والتأمل الغذائي والاهتزاز وشجرة العائلة.
رأينا "أحلام" وهي تُيسر مجموعة من المراهقين والمراهقات في حي التفاح شرق غزة.
حينها قالت لـ (سوا) إن هذه المهارات مفيدة جدا لأطفال المناطق الشرقية خاصة؛ كون سكانها تعرضوا لكم فظيع من الخبرات الصادمة والفقدان والدمار والاجتياحات والإجبار على ترك المنازل خلال الحروب الإسرائيلية على القطاع.
وأوضحت أن تلك المهارات ساهمت في علاج أعراض الصدمة النفسية واليأس والعدوانية، الأمر الذي انعكس بالإيجاب على نظرة الأطفال لذواتهم، وسلوكهم وعلاقاتهم مع عائلاتهم وزملائهم.
ويُعد قطاع غزة الذي يقطن فيه ما يزيد عن 2 مليون شخصًا بمساحة تبلغ 265 كم2، أحد أكثر المناطق حول العالم تعرضًا للويلات في العقد الأخير، إذ فرضت عليه إسرائيل منذ عام 2007 ولا تزال، حصارًا بريًا وبحريًا وجويًا، وشنت ثلاثة حروب ضروس ما بين الأعوام 2008_2014.
والطفلة بسمة (8 سنوات)، أبدت حبها وتعلقها الشديد بالمهارات، قائلة : "أشعر بالاستمتاع عند سماع الموسيقى الهادئة خلال ممارسة اليوجا"، لافتةً إلى أنها لقنت مهاراتها لأقرانها في المنزل "وأحبوها".
أما الطفل محمد (12 عاما)، الذي ظهر خلال تجول مراسل (سوا) في المكان المخصص لممارسة التمارين، مُندمجًا في اللعب أكثر من زملائه كافة، إذ ساعدته على الارتقاء بمستواه الدراسي، وتناسي عذابات وويلات الحروب، بحسبه.
ويقول محمد : "أحب ممارسة مهارات العقل والجسم واليوجا مع أصدقائي؛ لأنها تجعلني سعيدًا، وتحفزني على الدراسة ومساعدة أمي في البيت".
الأول عربيًا
ما سبق ذكره، يجري من خلال مركز علاج العقل والجسم، الذي يُعد امتدادًا لمؤسسة دولية مقرها الرئيسي واشنطن، وهو يُعتبر الأول في المنطقة العربية بأسرها؛ لعلاج الصدمات النفسية بهذه المنهجية.
وأُسِس المركز بغزة على يد مديره الإقليمي الحالي د. جميل عبد العاطي عام 2005، الذي كوّنَ حينها فريقًا يضم 18 أخصائيًا مؤهلًا، والذين عملوا على تدريب مجموعة من الأخصائيين والمهنين وصلت لـ 1000 ميسر.
وأثبتت دراسات المركز –وفقا لعبد العاطي- فاعلية مهارات العقل والجسم واليوجا في المساهمة بتحسين الجانب النفسي والجسمي للشخص، وصولًا لمرحلة من التوازن، كما أنها تساعد بتعزيز المزاج والشهية والتفاعل مع الآخرين.
وتُقدم مهارات "العقل والجسم واليوجا" للشخص المستفيد عبر منهجية بحثية علمية؛ كي يتجاوز مرحلة الشد العصبي والضغط النفسي، الأمر الذي ينعكس على سلوكه وتفكيره بالإيجاب، يضيف عبد العاطي.
وبلغ عدد مستفيدي المركز قرابة 150 ألف شخص، بوقت توصلت فيه آخر دراساته إلى أن الحروب والحصار وأزمات القطاع، أدت لوصول نسبة الصدمة بفئتي الأطفال والمراهقين إلى 36%، و26% بين البالغين.
لاجئو العراق وسوريا
وكشف عبد العاطي أن فريقًا من المركز عمِل مع لاجئي العراق الذين فروا إلى المخيمات الأردنية، وكذلك بالنسبة للاجئين السوريين، فيما دربّوا قرابة 70 مهنيًا من المؤسسات الأردنية والدولية على مهارات العقل والجسم.
وأشار إلى أن فرقًا من المركز عمِلت خلال الحرب على غزة صيف 2014، مع أكثر من 40 ألف حالة في مراكز الإيواء بمدارس وكالة الغوث "اونروا".
كما درّب أعضاء المركز –بحسب مديره الإقليمي- أطباء من وزارة الصحة في غزة، ومعلمين من وزارة التربية والتعليم، وأكاديميين من مختلف الجامعات، واختصاصيين من مستشفيات الطب النفسي، ومراكز المجتمع المحلي، على كيفية التدخل أوقات الحروب.
ويطمح عبد العاطي، أن يصل عمل المركز لأكبر شريحة من المجتمع الفلسطيني، وأن تصبح منهجية العلاج ضمن منهجيات التعامل مع الأطفال في المدارس ومراكز الصحة النفسية والرعاية الأولية.